العلامة محمد حسين فضل الله وتطوير “المرجعية الشيعية”
د. هيثم مزاحم |
طرح المرجع الشيعي الراحل العلاّمة محمد حسين فضل الله نظرية”المرجعية - المؤسسة”في محاولة لتطوير المرجعية الدينية إلى مؤسسة، وهي منهجية متكاملة تختلف مع الصيغة التقليدية للمرجعية التي سار عليها التاريخ الشيعي على امتداد فتراته وحقبه المتلاحقة، إذ أنّ”طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بعالم المسلمين، وضخامة التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية تفرض إحداث نقلة أساسية في الواقع المرجعي كجهاز يحيط بشخص المرجع، وتشكيل مفرداته في صيغة جديدة لها صفة العمل المؤسسي المنظّم”.
ويحدّد فضل الله منهجية العمل للمؤسسة المرجعية على أساس دائرتين رئيسيتين: الأولى هي إبعاد المرجعية عن الصفة الشخصية، فلا تكون معبّرة عن الوجود الشخصي لمرجع معيّن، بحيث تموت بموته، وتأخذ خصوصياته الفردية، لأن في ذلك ضياعاً لجهود كبيرة وعطاءات متميّزة قام بها المراجع في فترات مختلفة.
إنّ ما يريده فضل الله هو إنهاء هذه الحالة الفردية المرجعية، وجعلها مؤسسة متكاملة موحدة لا تعيش الفواصل في شخصيات المراجع، ولا يتحدد امتدادها الزمني بحياة المرجع. إنّما تمثّل حالة ثابتة لها مقوّمات الاستمرار على خط استراتيجي واضح، حتى مع تغيّر المراجع وتعاقب أدوارهم الحياتية.
يقول السيد فضل الله:”تكون المرجعية مؤسسة بحيث إنّ المرجع عندما يأتي، يأتي إلى مؤسسة تختزن تجارب المراجع السابقين، بحيث تكون كل الوثائق التي تمثّل علاقات المرجع بالعالم وتجاربها وخصوصيات القضايا التي عالجتها حتى في مسألة الاستفتاءات والأسئلة والأجوبة، متوافرة للمرجع الجديد الذي يجد كلّ هذه التجارب جاهزة في مؤسسة المرجعية ليبدأ من حيث انتهى المرجع السابق، لا ليبدأ بعيداً عن كلّ التجارب السابقة”.
أمّا الدائرة الثانية فهي تخلّي المرجعية عن حالتها التقليديّة في الميل إلى الوسط الحوزوي بعيداً عن الاهتمامات العامّة في حياة المسلمين وفي الواقع الدولي في شكل عام. فيجب أن يتّسع الاهتمام المرجعي بسعة القضايا التي تتّصل بالإسلام والمسلمين، ممّا يعني أن ترصد المرجعية مجمل الأحداث والتحركات من خلال كونها مؤسسة قيادية في الوسط الشيعي والإسلامي.
يقول فضل الله في هذا الخصوص:”لا بدّ للمرجعية أن تطلّ على قضايا العالم، ولو من ناحية اتّخاذ المواقف السياسية أو المواقف الثقافية أو الاجتماعية التي تطلّ على كلّ مواقع المرجعية، أو ما تمتد إلى أبعد من هذه المواقع وتؤثر فيه سلباً أو إيجاباً. إنّ هذا هو الذي يمكن أن يحقّق للمرجعية حيويّتها وحركيّتها التي تكون بها عنصراً فاعلاً في حياة كلّ النّاس الذين ينتمون إليها، ويتّبعونها، ويتّخذون المواقف منها. ومن الطبيعي أنّ الجوانب التنظيمية في هذه المؤسسة لا بدّ من أن تخضع لتخطيط معين بحيث تتكامل كلّ المواقع داخل الموقع الكبير”.
إنّ هذه الهيكلية التي خطّط لها العلاّمة فضل الله، لا يمكن أن تتحقق إلاّ من خلال شخص المرجع، فهو الذي يمكنه أن يضع الأسس المنهجية لبناء المؤسسة المرجعية، وهذا ما يحتاج إلى جانب المؤهلات الشخصية، إلى خبرة عملية حصل عليها الفقيه في حياته من خلال انفتاحه على قضايا العالم، وحضوره الفاعل في الساحات الثقافية والسياسية والاجتماعية العامة.
(...)
إذاً تتمحور نظرية”المرجعية - المؤسسة”حول مرجع واحد محاط بمجلس للفقهاء والخبراء والمستشارين بحيث تكون المرجعية مؤسسة لها أجهزتها وامتداداتها وعلاقاتها وإطلالاتها على الواقع وليس مجرد مرجعية الفقيه الفرد.
وتنطلق هذه النظرية من عدم وجوب شرط الأعلمية في المرجع بل هي قائمة على شرط الأصلح، ويتمّ اختيار المرجع من قبل الأمة بصورة غير مباشرة أي أن يلتقي أهل الخبرة من الفقهاء والخبراء لينتخبوا مرجع التقليد استناداً إلى كونه الأصلح لا الأعلم، وبحيث يجد المرجع الجديد أن كل الدراسات جاهزة وكل التاريخ الذي كان يتحرك فيه المرجع السابق بين يديه، لا أن يحتفظ المرجع بكل ما تحرّك فيه من اجتهاد وتجربة لنفسه أو عائلته كإرث شخصي لا يملك المرجع الجديد أو الأمة شيئاً منه.