اليمن.. والحرب على الطريقة السورية
مما لا شك فيه أن استهداف متمردي الحوثي لفرقاطة أمريكية في البحر الأحمر يعتبر الحدث الأبرز على مستوى الصراع اليمني خلال الأيام القليلة الماضية, ويقول مراقبون أن تلك المحاولة تعتبر نقطة تحوُل في الصراع اليمني وأنها ستؤدي إلى إلقاء القوى الغربية الضوء على تِلك الأزمة عقب فترة طويلة من إهمال الصراع اليمني لحساب صراعات أخرى بمنطقة الشرق الأوسط.
وإذا أضفنا إلى تلك الواقعة حادثة أخرى لا تقل خطورة وهي قيام جماعة الحوثي بإطلاق صاروخ باليستي بعمق 325 ميلاً داخل العُمق السعودي سنجد أن الصراع اليمني بات أخطر بكثير مما قدّرنا وتوقّعنا, وأن الأزمة اليمنية مُرشحة للتصاعُد باشتراك قوى إقليمية أهمها المملكة العربية السعودية وإيران وكذا قوى دولية أهمها الولايات المتحدة وروسيا.
والمعروف أن الأزمة اليمنية شهدت تصعيداً منذ بداية القرن الحالي, ولكن الحدث الأبرز في تلك الأزمة جاء في مارس من العام 2015 حين قامت الرياض "العدو اللدود لطهران" بالتدخُل في الصراع اليمني عبر حملة عسكرية شاركت فيها عدة دول عربية أخرى إلى جانب المملكة العربية السعودية.
ومنذ ذلك الحين – مارس 2015 – لقي عشرة آلاف يمني مصرعهم فضلاً عن عدد آخر من الجرحى والمُشردين, وقد اشتركت كل من واشنطن وبريطانيا في الصراع بطريقة غير مباشِرة وبشكل محدود عبر تقديم الدعم الاستخباراتي والتدريبي للتحالف العربي الذي تقوده الرياض, كما أن واشنطن لم تتورط في النزاع العسكري اليمني بشكل مباشر باستثناء الغارات التي كانت الطائرات الأمريكية بدون طيار تشنها على مواقع ادعت واشنطن أنها تابعة لتنظيم القاعدة في منطقة شبه الجزيرة العربية.
وكما هو الحال في سوريا اختار الرئيس الأمريكي باراك أوباما غض الطرف عن الصراع اليمني حيث اختارت واشنطن أسلوب (الحرب بالوكالة) بديلاً عن التورُط في النزاع بشكل مُباشِر, وقد جاء الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية متسقاً مع سياسة أوباما الذي يخشى تورُط بلاده في صراعات مُماثِلة لتلك التي جرت بأفغانستان والعراق, وهو ما دفع بالرئيس الأمريكي إلى اعتماد سياسة رأب الصدع مع طهران بديلاً عن المواجهة والتي تم تتويجها بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني خلال العام الماضي.
والحقيقة أن النزاع السوري استهلك الجهود السياسية الأمريكية مما جعل واشنطن تُهمِل نقاط أخرى مشتعلة بمنطقة الشرق الأوسط أهمها اليمن والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي, وهذا أدّى بالتبعية إلى إرسال رسالة لطهران وجماعة الحوثي بأن القضية اليمنية لا تُمثِل أولوية للقوى الغربية مما جعل إيران تتمادى في التورط ودعم الحوثيين وكانت النتيجة فشل جميع الجهود السياسية التي كانت ترمي إلى إيجاد حل للأزمة اليمنية.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, فقد باتت واشنطن أقرب للتورُط في الصراع اليمني أكثر من أي وقت مضى, فقد كانت المدمرة الأمريكية التي تم استهدافها في مهمة لتأمين الملاحة بالبحر الأحمر عقب استهداف جماعة الحوثي لزورق إماراتي تابع لقوات التحالف العربي, وقد كانت المدمرة الأمريكية جزءاً من تشكيل بحري أمريكي مكون من ثلاث قطع مهمته تأمين منطقة خليج عدن ومزود بصواريخ "توماهوك كروز" "Tomahawk cruise" وعدد من عناصر القوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية.
والواقع أن الرياض شعرت بالصدمة جرّاء استهداف جنوب مدينة الطائف بصاروخ باليستي أطلقه الحوثيون, وقد أتى حادث مقتل 140 حوثياً في خيمة عزاء ليُلقي مزيداً من الضوء على تصاعُد الخسائر البشرية, وقد بادرت واشنطن إلى إدانة واقعة القصف الجوي وأعلنت إعادة تقييم عمليات الدعم التي تقدمها للتحالف العربي مما سيلقي بظلاله على العلاقات بين واشنطن والرياض.
كما أن عملية القصف الأخيرة في صنعاء ستضع واشنطن في موقف محرج حيث اتهمتها موسكو بالنفاق بسبب قيام واشنطن بقطع المباحثات مع موسكو حول سوريا جرّاء قصف جوي روسي استهدف قافلة إمدادات تابعة للأمم المتحدة بمدينة حلب, وقد اغتنمت طهران فرصة عملية القصف بصنعاء من أجل الوقيعة بين واشنطن والرياض وكذا قامت بدعوة الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق رسمي في واقعة القصف, والغريب حقاً أن طهران التي تمتلك سجلاً حافلاً في مجال انتهاكات حقوق الإنسان انتفضت لحادث قصف خيمة العزاء بصنعاء.
ومع اقتراب رحيل أوباما عن البيت الأبيض يعلن قادة الحرس الثوري الإيراني بلا مواربة عن خطط خاصة بالتدخل عسكرياً في اليمن والعراق حيث حكومة العبادي الشيعية الموالية لطهران وكذا سوريا حيث تمتلك طهران قوات تقاتل على الأرض إلى جانب بشار الأسد ظهر دورها جلياً خلال معارك حلب الأخيرة, ويقول مراقبون أن طهران تسعى إلى إنشاء قواعد عسكرية على البحر المتوسط بدعم من بشار الأسد مقابل معاونة الأخير على البقاء في الحكم.
والحقيقة أن التوسُع السياسي والعسكري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط سيضع الرئيس الأمريكي في موقف مُحرِج أمام الأصوات التي اعترضت على سياسة التقارُب الأمريكية الإيرانية والتي انتقدت الاتفاق النووي بحكم أنه سيساعد إيران على مزيد من التوسُع وهي المنتشية بقرار الإفراج عن أرصدتها عقب توقيع الاتفاق النووي, ونحن هنا نتحدث بشكل كبير عن تل أبيب التي عارضت الاتفاق النووي الإيراني على طول الخط.
كما أن السياسة الأمريكية ستؤدي بلا شك في تشجيع إيران على المزيد من محاولات فرض السيطرة على المستوى الإقليمي وكذا التصعيد ضد الرياض وحلفائها من دول الخليج.
ويقول مراقبون أن الصراع اليمني مُرشّح للتفاقُم بسبب عدة عوامل منها عدم رغبة الولايات المتحدة وأوربا في رعاية حل سياسي يرمي إلى إنهاء النزاع, وكذا إهمال الأمم المتحدة للأزمة اليمنية فضلاً عن التدخُل الإيراني في الأزمة ورغبة واشنطن ولندن في زيادة مبيعات الأسلحة لدول المنطقة, كل تلك العوامل تعُد بمثابة مؤشرات على طول أمد الصراع اليمني الذي أصبح يشبه إلى حد كبير ما يجري على الأراضي السورية.
صحيفة: "جارديان" "guardian"
بقلم: "سيمون تيسدول" "Simon Tisdall"
ترجمة: أحمد سامي
المصدر : مفكرة الاسلام