هل صحّت مرويات الكليني في كتابه «الكافي» عن علم الأئمة بالغيب؟
مقتبس من من كلام الباحث الشيعي/ حيدر علي قلمداران
" لو دقَّقتم النظر في جميع الأخبار التي تتحدث عن علم الأئمة بالغيب والموجودة في كتب الشيعة مثل «الكافي» و«بصائر الدرجات» و«مدينة المعاجز» وغيرها لرأيتم أنه علاوة على مخالفة متون تلك الروايات للقرآن الكريم، فإن أسانيدها ضعيفة ورواتها غلاة، رغم أنه حتى لو كانت أسانيدها صحيحة لوجب طرح متونها وعدم الاعتناء بها أصلاً طبقاً للأمر المؤكد للأئمة -عَليهِمُ السَّلام- أنفسهم الذين أمروا أن يضرب بعرض الحائط كل ما يُنقل عنهم مما يخالف كتاب الله.
- لقد عقد الكُلَيْنِيّ في كتاب «الكافي» الذي يُعتَبَر من أفضل وأهم كتب الحديث لدينا معشر الشيعة بعد القرآن، أبواباً بخصوص علم الأئمة... فذكر باباً بعنوان: «بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ -عَليهِمُ السَّلام- إِذَا شَاءُوا أَنْ يَعْلَمُوا عُلِّمُوا»، أورد فيه ثلاثة أحاديث، وقد اعتبر العلامة المجلسـي في كتابه «مرآة العقول» الحديث الأول منها ضعيفاً والحديثين الثاني والثالث مجهولين فالنتيجة صفر!! هذا بمعزل عن أن متون هذه الروايات الثلاثة تخالف العقل والقرآن كما سبقت الإشارة إليه.
- ثم عقد باباً بعنوان: «بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ -عَليهِمُ السَّلام- يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ وَأَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُم»، وذكر فيه ثمانية أحاديث، الحديث الأول والثالث والرابع والسابع منها ضعيفة والحديث الثاني مجهول والحديث الخامس مرسل والحديثان السادس والثامن حسنان فليس في هذا الباب إذن حديث صحيح واحد، هذا بمعزل عن مخالفة هذه الأحاديث لنص القرآن.
- ثم عقد باباً بعنوان: «بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ -عَليهِمُ السَّلام- يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشّيءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم»، وأورد فيه ستة أحاديث الأول والثاني والثالث منها ضعيفة والحديثان الخامس والسادس منها مجهولان والحديث الرابع فقط اعتبره العلامة المجلسي صحيحاً، إلا أنه لا يتضمن ما يفيد علم الأئمة بما كان وما يكون وكل ما فيه أن الإمام الباقر -؛ - عاتب تلاميذه لأنهم كانوا يساوون بين علم أئمتهم وعلم أئمة مخالفيهم. وقال: «أَتَرَوْنَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى افْتَرَضَ طَاعَةَ أَوْلِيَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ ثُمَّ يُخْفِي عَنْهُمْ أَخْبَارَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَقْطَعُ عَنْهُمْ مَوَادَّ العِلْمِ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِمَّا فِيهِ قِوَامُ دِينِهِم؟؟».
ومن الواضح تماماً أن المراد من أخبار السموات والأرض التي فيها قوام الدين ليس علم ما كان وما يكون بالمعنى الذي يذهب إليه الغلاة، بل هو العلم المتعلق بأحكام الدِّين والذي لا شكّ أنّ الأئمّة الأطهار كانوا كاملي المعرفة به.
ولهذا السبب بالذات قال السيد المرتضـى علم الهدى في كتابه «الشافي في الإمامة» (ص 188 وَ189):
«معاذ الله أن نوجب له [إي للإمام] من العلوم إلا ما تقتضيه ولايته، ويوجبه ما وليه، وأسند إليه من الأحكام الشرعية، وعلم الغيب خارج عن هذا.»...
وقال الشيخ الطوسي في كتابه «تلخيص الشافي» (ص 321) أيضاً:
«فأما قولهم إنه يجب أن يكون عالماً بسائر المعلومات وبالغيب، فلا شبهة في بطلانه...»
أجل، تلك هي الأحاديث التي جاءت في كتاب «الكافي» في هذا الموضوع، ورأينا أنه لا يوجد منها حديث صحيح واحد، رغم أنه حتى لو فرضنا أن بعضها صحيح السند وحتى لو بلغ عدد هذه الأحاديث الصحيحة المئات لما غير ذلك من الأمر شيئاً لأنه طبقاً لأمر الأئمة أنفسهم -سلام الله عليهم أجمعين- لا بدأن نضرب بها عرض الحائط لأن متونها تخالف مخالفة صريحة آيات القرآن الكريم، كما رأينا في استعراضنا للآيات التي تؤكد بكل وضوح وصراحة اختصاص علم الغيب بالله وحده وتنفيه عن أي أحد من البشر"..انتهى