لماذا ترك القمي قول الشيعة بعلم الأئمة للغيب؟!
ألّف الكاتب الشيعي/ حيدر علي قلمداران القمي كتاباً أسماه (طريق النجاة من شرّ الغلاة) يرد فيه على أحد علماء الشيعة الاثني عشرية (آية الله العظمى أبو الفضل النبوي) في عدة مسائل، وكان من ضمنها مسألة علم أئمة أهل البيت للغيب، حيث ادعى أبو الفضل النبوي - كما هو مذهب معظم الشيعة اليوم - ادعى أن العلم الذي أثبته الله لنفسه بقوله: ﴿عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ﴾ [سبأ/3]، ثابت بعينه للأئمة أولياء الله!!
فردّ عليه برسالة كاملة نختصر منها قوله رحمه الله:
< موقف القرآن من دعوى علم الغيب >
نُريد الآن أنْ نرى مدى صحَّة ادِّعاء من يدَّعي أن الإمامَ عالمٌ بما كانَ وما يكونُ من أمور عالم الإمكان، من وجهة نظر القرآن الكريم والأئمة أنفسهم، وأن نتبيَّن هل تصحّ هذه الدعوى أم أنها كاذبة قطعاً ولا أساس لها من الصحة؟
- لقد أمر اللهُ تعالى نبيَّ آخر الزمان صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام/50]...
كانت تلك آية واضحة من القرآن الكريم يأمر فيها الرب سبحانه نبيه أن يعلن أنه لا يعلم الغيب وأنه ليس بملَك، أي أنه لا يمتلك حتى قدرة مَلَك من الملائكة!...
- وأمر الله تعالى نبيه أن يقول: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف/188]...
إذن الآية الكريمة تشير، لا بل تصـرِّح بأن من ينسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم الغيب، ليس بمؤمن، فما بالك بمن ينسب علم الغيب إلى من هو أدنى من النبيّ؟!...
- يقول القرآن الكريم في هذا الموضوع أيضاً: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة/101].
- ويقول الله تعالى على لسان نبيه الكريم: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾...
إن جميع آيات الكتاب الإلهي تؤكِّد هذه الحقيقة وتصدِّقها. فلا ندري ما الذي عرض لآية الله أبي الفضل النبوي وأمثاله حتى عموا عن رؤية هذه الشواهد والدلائل الواضحة من كلام الله تعالى في آيات القرآن ومن السيرة العطرة لنبي آخر الزمان وتاريخ وسير الأئمة من آله والتي تنادي بأعلى صوتها أنه لا النبي ولا أي أحد آخر سوى الله تعالى يعلم الغيب...
< شبهتهم في جزء من آية كريمة والرد عليهم >
لقد تمسَّك هؤلاء في مقابل كل تلك الآيات المحكمات التي مرَّت معنا والتي نفت علم الغيب عن غير الله وأكدت أن النبي قد أُمر أن يعلن للناس حقيقة عدم علمه بالغيب، اللهمَّ إلا ما يُوحى إليه من مضامين الشرع، وأنه ليس بينه وبين سائر البشر أي امتياز من هذه الناحية، تمسكوا بجزء من آية كريمة وهي عبارة (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) في قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن/26-28]، وانطبق عليهم قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ [الحج/11]!
كما تلاحظون إن كل ما تقوله تلك الآيات [من سورة الجن] هو أن الله يُطْلِعُ أحياناً على غيبه من يرتضيه من رسول أو ملاك أو بشر ثم يراقبه حتى يبلِّغ ذلك الغيب الذي هو وحيُ الله، إلى الناس. وفي هذه الآيات عددٌ من النقاط لا بد أن نلاحظها:
1- عالم الغيب هو الله تعالى وحده فقط، ولا يظهر أحداً على غيبه.
2- أحياناً يظهر على غيبه من يرتضيه من رسول.
3- بعد أن يظهر شيئاً من غيبه لرسوله يراقبه ويحرسه حتى يبلغ ذلك الغيب إلى الناس كما أُوحي إليه.
4- هذه الحراسة والرقابة هي التي تُسمَّى اصطلاحاً «العصمة» وهي التي تبقى حتى يقوم الرسل بإبلاغ رسالة ربهم إلى الناس.
5- اللهُ محيطٌ بكلِّ ما لدى الأنبياء ويحصي كلَّ شيء ويعلم بما يتمُّ من إنقاص أو زيادة -إن حدثت- في إبلاغ رسالته فقد أحصى كلَّ شيء عدداً وأحاط بكل شيء خبراً.
< ما هو الغيب الذي يطلّع عليه الرسول؟ >
إذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نرى ما هو الغيب الذي يظهره الله تعالى على من ارتضاه من رسول؟!
يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم نفسه لفهم هذا الأمر، ونبحث فيه عن مضمون هذا الغيب الذي يظهره الله على من ارتضاه من رسول:
- يقول سبحانه بعد أن يقصَّ علينا قصة نذر امرأة عمران ما في بطنها لِـلَّهِ وولادة مريم والإتيان بها إلى بيت المقدس وكفالة زكريا لها: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران/44].
- وكذلك بعد أن يقصَّ الله تعالى علينا في سورة هود قصَّة نوح ودعوته قومَه إلى التوحيد وأمرَ اللهِ له بأن يصنع الفلك أي السفينة الكبيرة وأن يركبها هو ومن آمن معه ثم كيفية مخالفة ابن نوح لأبيه وغرقه في الطوفان، يقول: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا...﴾ [هود/49].
- وكذلك بعد أن يقص علينا القرآن الكريم قصة يوسف يقول: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ [يوسف/102]، مما يبين أن قصة يوسف بالصورة والكيفية التي جاءت في القرآن كانت من الأخبار الغيبية التي أظهرها الله لرسوله وقد أبلغها الرسول بتمامها وكمالها للناس، وقد صرحت بداية سورة يوسف بهذا المعنى أي بعدم اطلاع النبي على تلك القصة قبل نزولها عليه فقال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ﴾ [يوسف/3].
فتبين بذلك بشكل واضح أن الغيب الذي أظهره الله على من ارتضاه من رسول هو الوحي والأخبار الغيبية التي أصبحنا نعلمها نحن مما في القرآن الكريم ونقرؤها متى شئنا، ولم تعد أمراً سريَّاً ولا غيباً خفياً!
فهل يبقى هناك مجال بعد أن تبين ما ذكرناه لمثل تلك الخدع والأكاذيب التي تدعي -على رغم المعنى الواضح والمقصود البيِّن لتلك الآية- تلك الترهات والتلفيقات والتصوُّرات الباطلة والخيالات المخترعة والأوهام البعيدة؟!
انتهى بتصرف واختصار من كتاب (طريق النجاة) للأستاذ حيدر علي قلمداران.