التصحيح عند الشيعة: موسى الموسوي أنموذجًا
مركز التأصيل للدراسات والبحوث (بتصرف)
الشيعة كأي فرقة أو جماعة فيها المغالي شديد التطرف، وفيها أهل التوسط، ويمكن أن نسميهم بالمصححين.
وعن طريق هؤلاء المصححين يمكن النفاذ إلى أفكار هذا المعتقد للوقوف على كثير من أخطاء المغالين فيهم وتهاون المتساهلين.
ولقد قام ثلة من علماء الشيعة ببعض المسارات التصحيحية التي مثلت خطوة مهمة في تاريخ الحوار مع هذه الفرقة.
فظهور تيار معارض في أي فرقة أو جماعة من شأنه أن يحرك المياه الراكدة، ويستفز أولي العقول وأصحاب البصائر إلى التفكر والتدبر، ومن ثم محاولة التمرد على الأفكار التي تأصلت وصارت مذهبا رغم خطأها.
وعليه فسنعرض في هذا التقرير بشي من الإيجاز، لواحد من الشخصيات التصحيحية في هذا المذهب، وهو الدكتور موسى الموسوي، مع بيان أبرز ما قام به من جهود تصحيحية...
** المقصود بالتصحيح في الفكر الشيعي:
نقصد بالتصحيح تلك الإسهامات التصحيحية التي قامت بتقديم مشاريع إصلاحية، ودعوة إلى الاعتدال، وترك بعض مظاهر الغلو والخرافة (1).
التعريف بالدكتور موسى الموسوي:
- هو موسى بن الحسن بن السيد أبي الحسن بن محمد بن عبد الحميد الأصفهاني الموسوي، ينتهي نسب عائلته بواسطة أربعة وثلاثين عقبًا إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم رحمه الله تعالى(4).
- وعن نشأته يقول الموسوي عن نفسه في مقدمة كتابه الشيعة والتصحيح: "ولدت ونشأت وترعرعت في بيت الزعامة الكبرى للطائفة الشيعية، ودرست وتأدبت على يد أكبر زعيم وقائد ديني عرف تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبرى(5) وحتى هذا اليوم؛ وهو جدنا الإمام السيد "أبو الحسن الموسوي"، الذي قيل فيه: (أنسى من قبله واتعب من بعده)"(6).
- ولد بالنجف عام 1930م، وتوفي عام 1417هـ.
- كان يعمل أستاذا للفلسفة الإسلامية في جامعة بغداد ثم انتخب رئيسا للمجلس الأعلى الإسلامي في غرب أمريكا، كما عمل أستاذا زائرا في أكثر من جامعة.
من مؤلفاته:
- من الكندي إلى ابن رشد عام 1972م طبعة بيروت.
- إيران في ربع قرن عام 1972م طبعة بيروت.
- قواعد فلسفية عام 1977م طبعة النجف الأشرف.
- الجديد في فلسفة صدر الدين عام 1978م طبعة بغداد.
- من السهروردي إلى صدر الدين عام 1980م طبعة بيروت.
- فلاسفة أوروبيون عام 1980م طبعة بيروت.
- الثورة البائسة عام 1983م طبعة لوس انجلوس.
- الجمهورية الثانية عام 1985م طبعة لوس انجلوس.
- الشيعة والتصحيح: الصراع بين الشيعة والتشيع عام 1987م طبعة لوس انجلوس(7).
التصحيح عند موسى الموسوي:
يقول الموسوى في مقدمة كتابة (الشيعة والتصحيح): "كنت أدعو الله في آناء الليل وأطراف النهار أن يلهمني العلم والبصيرة، ويمنحني القوة والتوفيق لآداء رسالة التصحيح، التي كنت أصبو إليها منذ سنيِّ الشباب، فكانت نتيجة تلك الدعوات الصالحات هي كتابي هذا (الشيعة والتصحيح: الصراع بين الشيعة والتشيع)، الذي أقدمه اليوم إلى الشيعة في كل زمان ومكان.
إنه نداء للشيعة مبعثه الإيمان المطلق بالله وبرسالة الإسلام الخالدة، وبقوة المسلمين وكرامة الإنسان، إنه نداء يدعو إلى الطرق الإصلاحية الكبرى لمحاولة إنهاء الخلاف الطائفي بين الشيعة والفرق الإسلامية الأخرى إلى الأبد، وإلى أن تقوم الساعة، إنه صرخة لله، ولاستيقاظ الشيعة من نوم عميق دام ألفاً ومائتي عام، إنها قصة الصراع المرير بين المسلمين حتى يومنا هذا، إنه نداء العقل والإيمان إلى الشيعة؛ كي تنفض عن نفسها غبار السنين، وتثور ثورة لا هوادة فيها ولا انتظار على تلك الزعامات المذهبية، التي سببت لها هذا التخلف الكبير في الحياة الدينية والفكرية والاجتماعية، وهكذا يدفعني اعتقادي وواجبي أن أوصي ملايين الشيعة، وأؤكد عليهم قراءة هذا الكتاب (فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ) [النمل: 92]"(8).
جهود الموسوي التصحيحية:
- خالف الموسوي جمهور الشيعة الإمامية في موقفهم من الصحابة، فعلى العكس من موقف الشيعة المنتقص من حق الصحابة والمكفر لعامتهم، كان الموسوي يرى أنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، وأن الفترة التي عاشها الخلفاء الأربعة هي الفترة التي جسدت العدالة والصلاح في تاريخ هذه الأمة. مبينا أن السبب في موقف الشيعة المعادي من الصحابة يعود إلى ما في كتب المذهب من روايات مكذوبة تطعن في صحابة النبي وتشوه صورتهم(9).
- حارب الموسوي الكثير من البدع الشيعية، ومنها ما أحدثوه من ضرب القامات والصدور بالسلال واللطم، وكان يرى أن هذه الأعمال قد أسهمت في تشويه صورة الإسلام في أذهان الكثيرين، وكان يدعو الطبقة المثقفة من الشيعة الإمامية أن تبذل قصارى الجهد لمنع الجهلة من القيام بمثل هذه الأعمال..(10).
- كما اعترف بإيمان الشيعة بعقيدة البداء، التي تجيز الجهل على الله- تعالى الله عما يقول الظالمون- مبينا أن القول بالبداء عند الشيعة الإمامية والإصرار عليه والإبقاء عليه في كتب الزيارات والروايات معا هو النموذج الأكمل في الإصرار على العزة بالإثم(11).
- كما انتقد استغلال الزعامات الشيعية لأتباعها، مبينًا أن الشيعة هي الطائفة الإسلامية الوحيدة التي سلمت نفسها إلى زعاماتها المذهبية بلا قيد ولا شرط؛ كي تركلها بأقدامها في ساحات الوغى مرة، وساحات الغيلة والإرهاب مرة أخرى(12).
- كما انتقد الموسوي بدعة الخمس وبدعة ولاية الفقيه الشيعيتين، مبينًا إن فكرة ظهور رجل من آل محمد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فكرة جميلة ومليئة بالآمال الخيِّرة ولكن علماء الشيعة ألصقوا بالإمام "المهدي" جناحين أثقلا كاهل الشيعة في كل زمان ومكان، وهذان الجناحان هما: بدعة الخمس في أرباح المكاسب، وبدعة ولاية الفقيه، فالأولى تعني دفع ضريبة مالية ما أنزل الله بها من سلطان والثانية تعني عبودية الإنسان للإنسان بلا قيد ولا شرط(13).
- كما انتقد على الإمامية تركهم لصلاة الجمعة حتى عودة الإمام (المهدي) المنتظر، وبين فساد ما هم عليه من معارضة للنصوص الصريحة في وجوب صلاة الجمعة(14).
ـــــــــــ
الهوامش:
(1) أعلام التصحيح والاعتدال مناهجهم وآرائهم: (ص:275).
(2) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(4) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(5) الغيبة الكبرى تعني: غيبة الإمام المهدي الثاني عشر عند الشيعة الإمامية الذي غاب عن الأنظار في عام 329هـ- بحسب ما يعتقد الشيعة الإمامية-.
(6) الشيعة والتصحيح، الصراع بين الشيعة والتشيع، ص(2).
(7) للمزيد حول ترجمته ينظر: ترجمة الموسوي لنفسه في خاتمة كتابه الصرخة الكبرى.
(8) الشيعة والتصحيح: الصراع بين الشيعة والتشيع: (ص:3).
(9) ينظر: يا شيعة العالم استيقظوا، ص (57).
(10) الشيعة والتصحيح، ص (123).
(11) المرجع السابق، ص (191).
(12) المرجع السابق، ص (153).
(13) المرجع السابق، ص (73).
(14) المرجع السابق، ص (163).