sonnah

الرئيسية
  • الرئيسية
  • مقالات
  • شخصيات
  • كتب
  • فوائد علمية
  • حقائق انفوجرافيك
الجديد
  • الشيعة والتصحيح .. الصراع بين الشيعة والتشيع
  • الثورة البائسة "الثورة الإيرانية"
  • يا شيعة العالم استيقظوا
  • التشيع والتحول في العصر الصفوي لـ كولن تيرنر
  • التشيع العلوي والتشيع الصفوي الدكتور علي شريعتي
  • أسس هذه الطقوس (طقوس عاشوراء) بنو بويه،
  • آية اللّه المطهري: يجب أن نقيم المآتم و نبكي الحسين ليس بسبب السيوف التي قتلته بل بسبب الأكاذيب التي ألصقت بالواقعة
  • هل أُريدَ بحديث الغدير النص على عليٍّ بالإمارة والخلافة؟ (2)
  • السيد كمال الحيدري: نحن نعيش إرهاصات تأسيس التيار الاصلاحي في الفكر الشيعي
  • حديث الغدير ودلالته على النص بالإمارة والخلافة لـ علي بن أبي طالب عليه السلام (1)
  • أنت تتصفح |
  • الشيعة والتصحيح
  • فوائد علمية

حقيقة تصحيحية قديمة عن الشهادة الثالثة في الأذان الشيعي

16 رجب 1440 هـ | السبت ٢٣ مارس ٢٠١٩
صورة

حقيقة تصحيحية قديمة عن الشهادة الثالثة في الأذان الشيعي

 

يقول فقيه الشيعة محمد بن بابويه الصدوق المتوفى381هـ:

(والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا في الاذان... " أشهد أن عليا ولي الله " مرتين... ولا شك في أن عليا ولي الله... ولكن ليس ذلك في أصل الاذان، وإنما ذكرت ذلك ليُعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض، المدلِّسون أنفسَهم في جملتنا) كتاب من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 1/290.

في هذا النص أمران:

- أنها دخيلة على الأذان لا أصل لها فيه، لا وجوب ولا استحباب.

- أن واضعها أناس غلاة دخلاء على المذهب معلونون... الخ، فكيف تصبح اليوم شعاراً؟!

 

0 0

أضف تعليق

ملاحظة : سوف يتم حجب التعليق الخاص بك حتى موافقة الإدارة

عاشق آل البيت

كلي رجاء من الاخوة الباحثين .. (1) تقوى الله سبحانه وتعالى في البحث و الرد على كلام ابن بابويه رحمه الله (فاتقوا الله يا أولي الالباب ) الآية. (2) التجرد من العاطفة و القراءة بحيادية لمعرفة الحق من دونه. (3) نقض المسلمات و المسائل لتحري الحقيقة .

06:30:02 | Tuesday, 29 , November , 2022

هادم الناصبية

حديث الغدير في مصادر أهل السنة 1 ـ قال النبي(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا بلى يارسول الله . قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(1) . 2 ـ وعن زاذان أبي عمر قال : سمعت عليّاً في الرحبة ، وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم وهو يقول ما قال . فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه »(2). 3 ـ «إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال يوم غدير خم : «من كنتُ مولاه» فعلي مولاه قال (ربما الراوي وهو أبو مريم أو غيره) فزاد الناس بعد : والِ من والاه وعادِ من عاداه»(3). وفيه : أنّ هذه الزيادة ليست من الناس ، بل هي رواية عن النبي(صلى الله عليه وآله)عن زيد عن رسول الله في حديث رقم 18522 في مسند أحمد . ثم إن هذه الإضافة موجودة في مصادر الحديث الأخرى عند الطائفتين ، فلا إشكال في ثبوت صدورها عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، ثم إن مورد الاستشهاد إنما بصدر الحديث أي قوله(صلى الله عليه وآله) : «من كنتُ مولاه فعلي مولاه» . وليس بذيله ، أي : (اللهم والِ من والاه . . .) . 4 ـ وعن أبي سرحة أو زيد بن علي عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فعلي مولاه»(4). 5 ـ وقال سعد بن أبي وقاص لمعاوية بن أبي سفيان بعد أن نال الأخير من عليّ(عليه السلام) : «تقول هذا لرجل سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه »(5). 6 ـ «وعن عامر بن سعد عن سعد ، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)خطب فقال : أما بعد ، أيّها الناس فإني وليكم قالوا : صدقت ، ثم أخذ بيد عليّ فرفعها ثم قال : هذا ولييّ والمؤدي عني ، والِ اللهم من والاه ، وعادِ اللهم من عاداه . 7 ـ وعن عائشة بنت سعد عن سعد قال : أخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : نعم ، صدقت يارسول الله . ثم أخذ بيد علي فرفعها : فقال : من كنت وليه فهذا وليه ، وإن الله ليوال من والاه ويعادي من عاداه»(6). 8 ـ «وعن عائشة بنت سعد عن سعد أنه قال : كنا مع رسول الله بطريق مكّة ، وهو متوجه إليها ، فلما بلغ غدير خم الذي بخم وقف الناس ثم ردّ من مضى ولحقه من تخلف فلما اجتمع الناس قال : أيّها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد . ثم قال : أيها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ثلاثاً (ثم قال) أيها الناس من وليكم؟ قالوا : الله ورسوله ـ ثلاثاً ـ ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فأقامه فقال : من كان الله ورسوله وليه فإن هذا وليه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(7). 9 ـ «روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله ، قال : لما بلغ عليّاً(عليه السلام) أنّ الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي(صلى الله عليه وآله) وتفضيله إياه على الناس ، قال(عليه السلام) : أنشد الله من بقي ممّن لقى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسمع مقاله في يوم غدير خم إلاّ قام فشهد بما سمع؟ فقام ستة ممن عن يمينه من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)وستة ممن على شماله من الصحابة أيضاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول ذلك اليوم وهو رافع بيدي علي : من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، وأحبَّ من أحبَّه وأبغض من أبغضه »(8). «وفي مكان آخر من كتاب النهج ينقل ابن أبي الحديد هذه القطعة الإضافية «وأنس بن مالك في القوم لم يقم : فقال له يا أنس! ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها؟ فقال : ياأمير المؤمنين كبرت ونسيت . فقال : اللهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة . قال طلحة بن عمير : فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض من عينيه»(9). 10 ـ « قال(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(10). 11 ـ «وقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) خطيباً وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) . قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(11) . 12 ـ وقال النبي(صلى الله عليه وآله) للمسلمين في عودته من حجّة الوداع : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(12) . معاني حديث الغدير وبعد أن ألقينا ضوءاً كافياً على أصل الحديث ، واهتمام رواة الحديث وأرباب السنن بنقله ، نتناول دلالة حديث الغدير على ثبوت امامة علي بن أبي طالب(عليه السلام) بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) ، ونستعرض أهم الشبهات التي اُثيرت على ذلك ، وحاولت ـ بعد التسليم بصدور الحديث عن النبي(صلى الله عليه وآله) ـ تفسيره بمعان لا تساعد عليها اللغة والاستعمال والقرائن العامة التي حفّت بالحديث . استعمال لفظ المولى استعملت لفظة المولى في القرآن الكريم في اللغة في معان عديدة : 1 ـ فقد وردت بمعنى (الأولى) في تفسير قوله تعالى : { فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(21) . واختاره أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه في القرآن (المجاز) ، في تفسيره الآية المتقدمة ، واستشهد ببيت لبيد : فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها(22) وقال به الزجاج والفراء أيضاً . 2 ـ ووردت بمعنى المتصرف بالأمر في تفسير قوله تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ}(23) . قال الفخر الرازي في تفسيره ناقلا عن القفال : هو مولاكم : سيدكم والمتصرف فيكم(24) . 3 ـ وردت بمعنى المتولي في الأمر في تفسير قوله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}(25) كما اختاره أبو العباس(26) . 4 ـ وردت بمعنى الناصر في تفسير قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ}(27) كما ذكر ذلك الشيخ المفيد(قدس سره)(28) وفسر لفظ المولى بمعنى الولي أيضاً كما عن الحاكم الحسكاني(29) . 5 ـ ووردت بمعنى الوارث كما في تفسير قوله تعالى : { وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ . . .}(30) «وقال السدي : إنّ الموالي بمعنى الورثة وهو أقواها»(31) . 6 ـ ووردت بمعنى الصاحب في تفسير قوله تعالى : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}(32) كما اختاره الطبرسي في تفسيره(33) . 7 ـ ووردت بمعنى المالك كما في تفسير قوله تعالى : {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ}(34) . كما أشار إليه ابن الجوزي في تذكرته(35) . 8 ـ وجاءت بمعنى العبد ، وقيل : ابن العم(36) في تفسير قوله تعالى : {ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ}(37) . 9 ـ ووردت بمعنى ابن العم ، قال الفضل بن العباس في ذلك : مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تظهرون لنا ماكان مدفونا(38) 10 ـ ووردت بمعنى الحليف ، حيث قال الشاعر : موالي حلف لاموالي قرابة *** لكن قطينا يسألون الاتاويا(39) 11 ـ ووردت بمعنى الربّ ومنه قول القائل : «وقد وكلكم إلى المولى الكافي» أي الرب(40) . 12 ـ ووردت بمعنى السيد ، فقد ورد في مجمع البحرين : «وتنكيل المولى بعبده بأن يجذع أنفه»(41) . وقال الخليل الفراهيدي : والموالي بنو العم ، والموالي من أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) من يحرم عليه الصدقة . والمولى : المعتق والحليف والولي(42) . والولي والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما ، يُقال في معنى الفاعل أي الموالي وفي معنى المفعول أي الموالي يُقال للمؤمن هو ولي الله ولم يرد مولاه(43) . وقد يُقال : بأنه إذا كان النبي(صلى الله عليه وآله) أراد أن ينصب علياً إماماً للمسلمين من بعده ، فلماذا لم يذكر ذلك بلفظ يكون نصّاً في المعنى ، فلا يقع النزاع بعد ذلك؟ والجواب إنّ حديث الغدير وماتقدمه من كلام وما تأخر عنه يدل دلالة واضحة على مراد النبي(صلى الله عليه وآله) في تعيين علياً إماماً بعده ، فإذا أمكن النقاش في دلالة حديث الغدير; ودعوى عدم وضوحه في إفادة المعنى ، فإنه يمكن النقاش في كل نص يرد لا يحتمل معنى آخر غير معنى الإمامة على تقدير صدوره من النبي(صلى الله عليه وآله) كما ردّ طلب النبي ـ وهو على فراش الموت ـ في أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا من بعده أبداً ، حيث رفض عمر بن الخطاب ذلك الطلب وقال : إنّ الرجل ليهجر(44) أو غلب عليه الوجع كما روى ذلك البخاري بسنده عن عبيدالله بن عبد الله عن ابن عباس قال : لما اشتد بالنبي(صلى الله عليه وآله) وجعه قال : أئتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده قال عمر : إنّ النبي(صلى الله عليه وآله)غلب عليه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط قال(صلى الله عليه وآله) : قوموا عني ولا ينبغي عندنا النزاع ، فخرج ابن عباس يقول : الرزيئة كل الرزيئة ماحال بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبين كتابه(45) . وفي رواية أخرى روى البخاري بسنده عن ابن عباس قال : لما حضر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفي البيت رجال فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، فقال بعضهم : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله(46) . هذه أهم موارد استعمال لفظة (المولى) التي جاءت في القرآن الكريم وفي كلمات العرب وشعرهم ، ولكن علماء الحديث والعقائد ذكروا للفظ المولى معان أُخر غير التي ذكرناها ، فقد ذكر ابن الجوزي : أن علماء العربية قالوا : إن لفظة المولى ترد على عشرة وجوه وهي : الأول : المالك ، ومنه قوله تعالى : {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ} . أي على مالك رقه . والثاني : بمعنى المولى المعتق بكسر التاء . والثالث : بمعنى المعتق بفتح التاء . والرابع : بمعنى الناصر ومنه قوله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} . أي لا ناصر لهم . والخامس : بمعنى ابن العم قال الشاعر : مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا وقال آخر : هم الموالي حتفوا علينا وإنا من لقائهم لزور وحكى صاحب الصحاح عن أبي عبيدة أن قائل هذا البيت عني بالموالي بني العم ، قال : وهو كقوله تعالى : {ثم يخرجكم طفلا} . والسادس : الحليف قال الشاعر : موالي حلف لا موالي قرابة ولكن قطينا يسألون الاتاويا يقول هم حلفاء لا أبناء عم قال في الصحاح وأما قول الفرزدق : ولو كان عبد الله مولى هجوته ولكن عبد الله مولى موالينا فلأنّ عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين ، وهم حلفاء بني عبدشمس ابن عبدمناف ، والحليف عند العرب مولى ، وإنما نصب المواليا لأنه رده إلى أصله للضرورة ، وإنما لم ينون مولى لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف . والسابع : المتولي لضمان الجريرة وحيازة الميراث ، وكان ذلك في الجاهلية ثم نسخ بآية المواريث . والثامن : الجار وإنما سمي به لماله من الحقوق بالمجاورة . والتاسع : السيد المطاع وهو المولى المطلق قال في الصحاح : كل من ولي أمر أحد فهو وليه . والعاشر : بمعنى الأولى ، قال الله تعالى : { فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي أولى بكم(47) . وقال أبو بكر محمد بن القاسم الانباري في كتابه في القرآن المعروف بـ (المشكل) : «والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام : المنعم ، المعتق ، والمعتق بالفتح ـ ، والاولى بالشيء والجار ، وابن العم ، والصهر والحليف ، وقد استشهد على كل قسم من أقسام المولى بشيء من الشعر»(48) وجعلها شيخنا الامين(قدس سره)في غديره سبعة وعشرين معنى(49) . معنى لفظ المولى في لغة العرب وهكذا يتضح أنّ لفظ المولى في اللغة استعمل في عدة معان ، ولكن نسأل هل اللفظ موضوع ـ لغةً ـ لمعنى الأولى ، واستعمل في سائر المعاني على نحو المجاز كما في استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع بمناسبة شجاعته ، فيكون الاستعمال فيها مجازاً وفي الأولى على نحو الحقيقة ، أو أن تلك المعاني أيضاً معان حقيقية للفظ المولى ، فالاشتراك معنوي ، أو أن الاشتراك في اللفظ بنحو الاشتراك اللفظي؟ هل لفظ المولى مشترك لفظي؟ عُرف المشترك اللفظي بـ : «أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنيين ، أو لمعان بأوضاع متعددة كلفظ العين للباصرة والجارية والذهب»(50) . وقد عرفه أهل الاصول بعبارة أوضح : «اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل اللغة»(51) . ومن الواضح أنّ لفظ المولى ليس كذلك ، إذ معانيه ليست متباينة ، إنما فيها معنى مشترك ، وإن كان يوجد تفاوت في نسبة صدق المعنى الواحد عليها بنحو سواء ، كما أنه من تتبع معاني لفظ المولى يستشعر أنّ اللفظ لم يوضع لتلك المعاني بنحو الوضع المستقل لكل معنى عن وضعه للآخر . هل لفظ المولى حقيقة في الأولى مجاز في غيره؟ عرف المعنى الحقيقي بأنه : «استعمال اللفظ فيما وضع له في الاصطلاح الذي وقع به التخاطب» . وعرف المعنى المجازي بأنه : استعمال اللفظ في غير ماوضع له في أصل تلك المواضعة للعلاقة(52) . وعرف أيضاً بأنّ المعنى الحقيقي هو : «استعمال الكلمة فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب» . أما المجاز فهو : «استعمال الكلمة في غيرما وضعت له في اصطلاح التخاطب»(53) والتعريفان متطابقان في المضمون . وهذاالتعريف لاينطبق على لفظ المولى في معانيه المتعددة، وذلك لأنه كما استعمل في معنى(الاولى) بلاقرينة،كذلك أستعمل في سائر المعاني بلا قرينة أيضاً ، مع أن الاستعمال المجازي للفظ لا يصح بلا قرينة ، وهذا يدل على أن بقية المعاني هي أيضاً معاني حقيقة للفظ المولى . هل لفظ المولى مشترك معنوي؟ المشترك المعنوي : «هو أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنى كلي كالانسان للحيوان الناطق»(54) . وحيث إنّ هذا التعريف ينطبق على لفظ المولى للأدلة التي سنذكرها لاحقاً ، يكون لفظ المولى موضوعاً ـ في اللغة ـ لمعنى الأولى ، غاية الأمر أن الأولوية تختلف في كل مورد عن المورد الآخر فمثلا النبي(صلى الله عليه وآله) مولى المؤمنين يعني : هو أولى بهم من أنفسهم في أمورهم ، وله الأمر والنهي ، وله عليهم حقّ الطاعة ، والمولى بمعنى الوارث ، يعني أن الابن أو غيره من الورثة أولى من أي شخص آخر بمال مورثه المتوفى ، والمولى بمعنى الناصر ، كأن يُقال العباس بن علي مولى الحسين(عليه السلام)يعني : أن العباس(عليه السلام)أولى الناس بنصرة الحسين(عليه السلام) من غيره لمعرفته به ، وهكذا يكون معنى الأولوية موجوداً في جميع معاني لفظ المولى مع اختلاف في مصداق الأولوية كما يطلق لفظ إنسان على زيد وعمرو وبكر فإنهم جميعاً يصدق عليهم لفظ إنسان مع اختلاف كل مصداق عن المصداق الآخر ببعض الأمور . والصحيح هو : أنّ لفظ المولى مشترك معنوي بدلالة تبادر معنى الأولوية منه رغم تعدد كيفيات الأولوية ، وبدليل صحة استعمال لفظ الأولى مكان المولى ، فيصح القول : «النبي(صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين» بدل قولنا «النبي(صلى الله عليه وآله) مولى المؤمنين» ويصح القول : (الاب أولى بالولد) بدل قولنا : (الاب مولى ولده) وهكذا ، وهذا يدل على أن لفظ المولى يعني الأولى . برهان المعاني الباقية ويمكن الاستدلال على أن النبي(صلى الله عليه وآله)أراد معنى الأولى من لفظ المولى بالقول : إن النبي(صلى الله عليه وآله) لا يريد بالمولى المعتق أي مالك الرق الذي يملك المولى عبده وله أن يبيعه ويهبه ، إذ ليس كل من ملكه النبي(صلى الله عليه وآله) ملكه علي . ولا يريد به العبد . ولا يقصد النبي(صلى الله عليه وآله) من لفظ المولى (ابن العم) ، لأن من كان ابن عم النبي(صلى الله عليه وآله)فهو ابن عم علي(عليه السلام) بلا حاجة إلى تجشم عناء بيان ذلك تحت أشعة الشمس الحارقة وإبلاغ المسلمين بذلك . وكذلك لا يقصد النبي(صلى الله عليه وآله) بلفظ المولى (العاقبة) إذ لا معنى له في جملة (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه) . ولا يمكن أن يريد به معنى الناصر; لأن المسلمين كلهم أنصار لمن نصره النبي(صلى الله عليه وآله) فلا معنى لتخصيص علي(عليه السلام)بالنصرة عن جماعة المسلمين . ولا يقصد به(صلى الله عليه وآله) معنى الحليف ، لأن علياً حليف لجميع حلفاء النبي(صلى الله عليه وآله) . وكذلك لا يريد النبي(صلى الله عليه وآله) من لفظ المولى أن علياً وارث لكل من يرثه النبي(صلى الله عليه وآله) . أما معنى المتولي بالأمر والمتصرف فيه ، فإنه لو قصد هذا المعنى فإنه يقصد الأولى; لأن المتولي للأمور والمتصرف فيه إنما يكون للأولى بالتصرف في الأمور ، أي من له حق الأمر والنهي والطاعة . . . وكذلك لا يريد النبي(صلى الله عليه وآله)سائر معاني المولى نظير الصاحب والشريك والرب والجار ويظهر ذلك بأدنى تأمل في سياق الرواية ، وفي القرائن العامة ، فيبقى المعنى الوحيد المحتمل وهو الأولى بالمسلمين من أنفسهم فيجب حمله عليه . ويدل على أولويّة علي(عليه السلام)بالخلافة من جميع الأنصار والمهاجرين اعتراف هؤلاء بأولوية علي(عليه السلام) منهم في ذلك ، إلاّ أنهم طعنوا ذلك ببعض الأمور . ففي شرح النهج لابن الحديد المعتزلي ورد : «أن عمر قال : يا ابن عباس أما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّا خفناه على اثنين . . . فقلت : ـ أي ابن عباس ـ قال : وماهما يا أمير المؤمنين؟ قال : خفناه على حداثة سنّه ، وحبّه بني عبد المطلب»(55) . وفيما يلي بعض الشواهد على أن المراد بلفظ المولى في حديث الغدير معنى الأولوية دون غيرها من المعاني : الشاهد الأول: شعر حسان بن ثابت مانظمه حسان بن ثابت شاعر الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد فراغ النبي(صلى الله عليه وآله) من واقعة الغدير ، حيث فهم منه حسان أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نصب علياً(عليه السلام) ولياً للمؤمنين ، وأولى بهم من أنفسهم كما أن النبي(صلى الله عليه وآله)كذلك ـ أي ولى بالمسلمين من انفسهم ـ حيث إنّ حسان بن ثابت استأذن النبي(صلى الله عليه وآله) أن يقول شعراً في الواقعة ، فأذن له النبي(صلى الله عليه وآله)فأنشد أبياتاً منها : فقال له قم ياعلي فإنني *** رضيتك من بعدي إماماً وهادياً «ويروى أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال لحسان بعد أن فرغ من شعره : لا تزال مؤيداً بروح القدس مانصرتنا أو نافحت عنا بلسانك»(56) . وكذلك ما قاله الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة الانصاري : وعلي إمامنا وإمام *** لسوانا أتى به التنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه *** فهذا علي خطب جليل(57) الشاهد الثاني: كلام ابن منظور الديلمي قال : أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبدالله بن منظور الديلمي(إمام الكوفيين في النحو واللغة والادب) في كتاب (معاني القرآن) : الولي والمولى في كلام العربواحد وفي قراءة عبدالله بن مسعود: «إنما مولاكم الله ورسوله مكان وليكم»(58) وإنما يكون الولي ولياً ، إذا كان أولى من كل أحد في الأمر والنهي والطاعة من قبل الآخرين .  

07:29:23 | Monday, 22 , November , 2021

محمد

نص الآية قال تعالى في سورة المائدة: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.[1] تكشف آية الولاية على جملة من الأحكام والمعاني الملازمة لها، منها: حصر معنى الولاية - الدالة عليها أداة الحصر " إنّما" الواقعة في صدر الآية - بمن ذكروا في الآية الكريمة، وهم: المولى تعالى - الرسول الأكرم محمد (ص) - الذين آمنوا المخصّصين بإقامة الصلاة وإتاء الزكاة أثناء ركوعهم، وهو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. أنّ هناك طولية تراتبية في معنى الولاية المذكورة في الآية، بمعنى أنّ ولاية الرسول (ص) متفرعة عن ولاية المولى تعالى، وبالتبع لذلك تتفرع ولاية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام المقصود بعبارة المؤمنين المقيمين للصلاة والمعطين للزكاة أثناء الركوع. أنّ هذه الطولية يترتب عليها وحدة معنى الولاية في تعلقها بمن ذكروا في الآية الكريمة، وعدم إمكان التفكيك في هذا المعنى. أنّ طاعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الثابتة له الولاية في الآية الكريمة واجبة شرعاً، تبعاً لوجوب طاعة الرسول (ص)، المتفرعة من وجوب طاعة المولى تعالى المدركة بالضرورة والبداهة، إضافة لنص آية الولاية.[بحاجة لمصدر] معاني بعض المفردات ﴿إِنَّمَا﴾ : هي لفظة مركبة في الأصل من حرفين "إنّ" التي تفيد معنى الإثبات، و"ما" التي تفيد معنى النفي، ومع الجمع بين الحرفين تصير " إِنَّمَا " التي هي أداة تفيد معنى الحصر،[2] أي حصر أمرٍ بأمرٍ آخر على وجه التخصيص به، فالتأكيد إذا ما أعقبه نفي يدلّل على معنى الحصر، وهذا متفق عليه بين السواد الأعظم من النحاة ، ولم نجد من خالف هذا الإتفاق ، إلاّ الفخر الرازي في تفسيره، [3] حيث قال مانصّه: ولا نسلم أنّ كلمة " إنّما " للحصر، انتهى. ﴿وَلِيُّكُمُ﴾ : ذهب كل علماء ومفسري الشيعة، تبعا لما ورد عن أهل البيتعليهم السلام من أنّ لفظة " وَلِيُّكُمُ " في الآية تفيد معنى ولاية الأمر أي الإمامة والخلافة.[4] ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ : رأى كل علماء ومفسري مذهب أهل البيت عليهم السلام، أنّه يمكن ويجوز في لغة العرب أن يستعملوا ضمير الجمع في المفرد لأجل التعظيم،[5] وتبعهم في هذا بعض أعلام أهل السنّة والجماعة،[6] وقد وقع ذالك في القرآن الكريم كثيراً.[ملاحظة 1] ﴿الزَّكَاةَ﴾ : ذهب أعلام الشيعةإلى القول، بأنّ المراد من لفظة " الزَّكَاةَ " في آية الولاية، معناها العام الذي هو مطلق الزّكاة أي ما يعبّر عنه بالصدقة المستحبّة،[7] وهذا ورد في القرآن، وكذلك تبعهم في هذا القول من أهل السنّة والجماعة كل من قال بأنّ الآية نزلت في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. ﴿وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ : ذهب كل مفسري الشيعة وعلمائهم إلى أنّ " الواو " في قوله تعالى " وَهُمْ رَاكِعُونَ " حاليّة،[8] بمعنى أنّ مابعد الواو منصوب بالحالية، وبالتالي يكون معنى العبارة " ويؤتون الزّكاة في حين هم راكعون " وتبعهم في هذا جمع من مفسري أهل السنّة والجماعة.[ملاحظة 2] تفسير الشيعة للآية ذهب الشيعة بجميع علمائهم ومفسريهم إلى أنّ الآية تدلّ في العموم على الإمامة والخلافة، وتدلّ في الخصوص على إمامة وخلافة الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام، وعليه فمعنى آية الولاية كالتالي: أنّ ولي أمركم الواجب طاعته هو المولى تعالى ثم من بعده الرسول الأكرم محمد(ص) ومن بعدهما الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام المقصود بعبارة " المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة حين هم راكعون "، ومن يجعل هؤلاء أولياءه فإنّه من حزب الله المتحقق لهم النّصر.[بحاجة لمصدر] الأدلّة على تفسير الشيعة استدلّ الشيعة بآية الولاية أوّلاً: على الإمامة بمفهومها العام، وثانياً:على إمامة الإمام علي بن أبي طالبعليه السلام، وفي مقام توضيح دليلهم على إمامة الإمام علي بن أبي طالبعليه السلام، قسموا الأدلّة إلى قسمين: القسم الأول: من نفس الآية وهي القرائن الموجودة في نفس عبارات آية الولاية . القسم الثاني: من خارج الآية، وهي الروايات المستفيضة و المتواترة الواردة في تفسير سبب نزول آية الولاية. الدليل القرآني أولا: إنّ لفظة " وَلِيُّكُمُ " في الآية تدلّ على الإمامة والخلافة، لا على المحبّة والنُّصرة كما رجّح غيرهم، ولهم في ذالك قرائن عديدة ترجح هذا المعنى، منها: إنّ لفظة " الولاية " من المشتركات المعنوية -القصد من المشترك المعنوي هنا هو أنّ لفظة الولاية مثلا وضعت لمعنى واحد هو القيام أو القيمومة بالأمر، ولكن لها أفراد كثيرة ينطبق عليها هذا المعنى- لا المشتركات اللفظية - الاشتراك اللفظي هو أن يكون اللّفظ واحد وقد وضع لأكثر من معنى، مثل لفظة العين التي لها معاني كثيرة منها العين الباصرة، وعين الماء، وعين الذهب وعين الحقيقة، وكل معنى من هذه المعاني مختلف على الآخر-، وعليه فلفظة " الولاية " تفيد معنى واحد هو القيام بالأمر أو القيمومة على الأمر، إلاّ أنّ هذا المعنى الواحد له أفراد ومصاديق متعدّدة ينطبق عليها، مثل الصديق والجار والخالق تعالى والرسول (ص)وغيرها. الروايات الكثيرة البالغة حدّ التواتر، والواردة عن جمع من الصحابة، والتي يفهم منها أنّ سبب نزول هذه الآية هو الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام حينما تصدّق بخاتمه للسائل أثناء ركوعه في الصلاة . ورود لفظة " الولي " في نصوص روائية أخرى بالغة أيضا مافوق حدّ التواتر، تثبت أنّ الولاية الثابتة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هي الولاية التي تفيد معنى الإمامة والخلافة، منها رواية الغدير التي تشمل عبارة " أنت ولي كل مؤمن من بعدي " الذي أخرجها جملة من أعلام أهل السنّة والجماعة، منهم: ابن حبان في صحيحه،[9] والترمذي في سننه،[10] والنسائي في سننه الكبرى،[11] وأحمد بن حنبل في مسنده.[12] ثانيا: إنّ الواو في عبارة "وَهُمْ رَاكِعُونَ " حالية لا عاطفة كما قال غيرهم،[13] وعليه فالعبارة التي بعد الواو واقعة في مقام وصف الحال المتعلق بعبارة " وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ "، وبالتالي فهي مخصصة لعبارة " الَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " التي يستفاد منها الجمع، ودليلهم على ذالك هو: قول النحاة أنّ عطف الجملة الإسمية على الفعل تتنافى مع الفصاحة، بل هي لغة الأجلاف. إنّ معنى الحال أظهر في العبارة من العطف، فعبارة " يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " من قبيل قولهم " مررت بالعلماء وهم يتحاورون " أي مررت بهم وهم في حالة الحوار. وهذا ما ذهب إليه جملة كبيرة من مفسري وعلماء أهل السنّة والجماعة، منهم: الزمخشري،[14] الجرجاني،[15] النسفي،[16] الآلوسي،[17] السمرقندي، [18] الشوكاني،[19] والقرطبي.[20] بينما احتمل البعض الآخر الوجهين ولم يرجّح قول منهما: الماوردي،[21] والإيجي الشيرازي الشافعي.[22] الدليل الروائي Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: التصدق بالخاتم بناءًا على قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾الدالّة على التمسك بالسنّة بعد القرآن، فقد تمسّك الشيعة بجميع علمائهم برواية تصدّق الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بخاتمه، والتي تدلّل على أنّ المقصود بالولاية في " آية الولاية " بعد المولى تعالى والرسول الأكرم (ص) هو الإمام علي بن أبي طالبعليه السلام، وقد ادعى القاضي الجرجاني، بأن المفسرين أجمعوا على نزول الآية في حق علي، لكن التفاسير السنيّة خصتها بشخصيات أخرى أيضا.[23] رواة الرواية رَوَى سبب نزول الآية الشيعة والسنّة ومن طرق متعدّدة، وممن رواه : من الصحابة؛ علي بن أبي طالب عليه السلام[24] عبداللّه بن عباس [25] أبو رافع المدني [26] عمار بن ياسر [27] أبو ذر الغفاري [28] أنس بن مالك [29] المقداد بن الأسود [30] من التابعين؛ مسلمة بن كهيل [31] عتبة بن أبي حكيم [32] السدي [33] مجاهد [34] الرواية في كتب التفاسير السنّية ولقد نقل جملة كبيرة من أعلام أهل السنّة والجماعة في تفاسيرهم ومصنّفاتهم، القول بأنّ الآية نزلت في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، نذكر منهم البعض: ابن أبي حاتم في تفسيره: تفسير القرآن العظيم،[35] وقد أخرج الرواية بسند صحيح، عن أبي سعيد الأشج عن الفضيل بن دكين عن موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل، وكلهم ثقاة. ابن أبي زمانين في تفسيره: تفسير القرآن العزيز[36] ابن عطيه في تفسيره: المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز[37] ابن الجزي الكلبي في تفسيره: التسهيل لعلوم التنزيل[38] ابن الجوزي في تفسيره : زاد المسير [39] محمد بن جرير الطبري في تفسيره: جامع البيان[40] ابن عادل الدمشقي الحنبلي: اللباب في علوم الكتاب[41] أبو البركات النسفي في تفسيره: مدارك التنزيل وحقائق التأويل[42] أبو حيّان الأندلسي في تفسيره: البحر المحيط[43] البغوي في تفسيره: معالم التنزيل[44] السيوطي في تفسيره: الدر المنثور[45]، حيث نقل روايات كثيرة وبطرق متعدّدة. الآلوسي في تفسيره: روح المعاني،[46] حيث قال: غالب الإخباريين[ملاحظة 3] على أنّها - أي الآية - نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام الثعالبي في تفسيره: الجواهر الحسان [47] الثعلبي في تفسيره: الكشف والبيان[48] السمعاني في تفسيره: تفسير القرآن[49] البيضاوي في تفسيره: أنوار التزيل وأسرار التأويل[50] السدي الكبير أبو محمد اسماعيل في تفسيره: تفسير السدي الكبير[51] الزمخشري في تفسيره: الكشاف،[52] ذهب في تفسير الآية إلى ما ذهب إليه الشيعة. السمرقندي أبو اللّيث نصر بن محمد في تفسيره: بحر العلوم[53] الشوكاني في تفسيره: الفتح القدير[54] الجرجاني في تفسيره: درج الدرر[55] الإيجي الشيرازي في تفسيره: جامع البيان[56] الخازن في تفسيره: لباب التأويل في معاني التنزيل[57] القرطبي في تفسيره: الجامع لأحكام القرآن[58] مكي ابن أبي طالب بن حموش في تفسيره (مجموعة رسائل جامعية ): الهداية لبلوغ النهاية[59] الرواية في كتب الحديث السنّية ابن الأثير في مصنّفه: المختار من مناقب الأخيار[60] ابن حجر العسقلاني في كتابه: الكافي الشاف[61] الإمام العلامة ابن الصبّاغ المالكي في كتابه: الفصول المهمة[62] الإمام الواحدي في كتابه: أسباب النزول[63] الحاكم الحسكاني في كتابه: شواهد التنزيل: حيث أخرج الرواية بطرق كثيرة وعن جملة من الصحابة[64] الحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي في كتابه: مجمع الزوائد[65] محب الدين الطبري في كتابه: ذخائر العقبى[66] المحدّث الجويني في كتابه: فرائد السمطين: حيث أخرج الرواية بطرق كثيرة، وعن جملة من الصحابة[67] المحدّث الزرندي الحنفي المدني في كتابه: نظم درر السمطين: حيث أخرج الرواية بطرق كثيرة، وعن جملة من الصحابة [68] الحافظ الخوارزمي في كتابه: المناقب: وقد أخرج الرواية بطرق كثيرة، وعن جملة من الصحابة[69]

07:26:22 | Monday, 22 , November , 2021

هادم السقیفه

الرواية الموضوعة غير الرواية الضعيفة . الثالثة : قوله : " وزادوا " ، يَدُلُّ على أ نّهم أتوا بتلك النصوص على نحو الجزئية ، والشـيخ لا يرتضيها لقوله : " ولكن ذلك ليس في اصل الأذان " . إذن علينا توضيح مغزى كلام الصدوق ببعض البحوث التمهيدية لكي نرى هل أنّ كلامه (رحمه الله) صدر عن حِسٍّ حتى يلزمنا الأخذ به ، أم كان عن حدس يجوز تركه ، بل إلى أيّ مدى يمكن الاعتماد على قناعاته واجتهاداته (رحمه الله) ، وخصوصاً أ نّه كان يعيش في ظروف صعبة . إنّ الواقف على مجريات الأحداث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلم ما جرى على آل بيت الرسالة من مظالم من قِبَلِ الحكّام ، وأنَّ الرواة وحتّى الصحابة والتابعين والفقهاء كانوا يتّقون السلطة في نشر رواياتهم وبيان آرائهم ، فلا يمكن معرفة أبعاد صدور أيّ نص منهم ، خصوصاً في العصر الأموي والعصر العباسي الأوّل أو الثاني ، إلاّ بعد معرفة الظروف المحيطة به . ونحن نظراً لحساسية كلام الشيخ (رحمه الله) بدأنا الدراسة بثلاثة مواضيع أساسية كتمهيد لهذه الدراسة : الأُولى : ارتباط الغلوّ والتفويض بالشهادة الثالثة ، وهل حقاً أنّ ما يُؤتى به في الشهادة الثالثة فيه فكر تفويض أم لا ؟ بل كيف نشأت فكرة الغلو والتفويض ؟ وهل هما مختصان بالشيعة أم أ نّهما ظاهرتان أصابتا البشريّة جمعاء ، وجميع الأديان والمذاهب ؟ وما هو موقف أهل البيت منها ؟ وهل حقاً أنّ البغداديين غلاةٌ ، والقميّين مقصّرةٌ ؟ الثانية : أشرنا إلى ثلاث نقاط أساسية ـ كنموذج ـ في منهج القميّين والبغداديين في العقائد والرجال ، مؤكّدين بأنّ بعض هذه النقاط أدّت إلى صدور مثل هذا الكلام عن الشيخ الصدوق (رحمه الله) . الثالثة : مناقشة دعوى الزيادة من قبل القائلين بها ، وهل حقاً أنّ هذه الزيادة من وضع المفوّضة ، وجاء ، على نحو الجزئية ، أم أ نّها زيادة موجودة في الروايات الصفحة 37 وتقال على نحو التفسـيرية وبقصد القربة المطلقة وأمثالها ؟ والذي ينبغي التنبيه عليه هو أن دعوى صدورها عن المفوِّضة وأ نّهم وضعوا أخباراً على نحو الجزئية فيها دعوى مجملة ، إذ لا يستطيع أحد بالنظر البدوي الجزم بمقصود الشيخ الصدوق النهائي إلاّ بعد بحث وتمحيص ، وهذا ما يدعو الباحث الموضوعي إلى الوقوف عندها ودراستها بروح علمية نزيهة ، بعيداً عن التقديس ، لكي يرى مدى تطابقها مع الواقع أو بعدها عنه ، وهذا ما نريد توضيحه ضمن النقاط الثلاث اللاحقة ، مع الإشارة إلى غيرها من البحوث الدخيلة في فهم المسألة . مؤكّدين على أنّ المنهج المتَّبع عند فقهاء ومتكلِّمي مدرسة أهل البيت هو مناقشة الأقوال ، فلا يصان أحد عندهم إلاّ المعصوم ، وليس لهم كتاب صحيح بالكامل إلاّ كتاب الله المنزل على رسوله ، فهم يناقشون أقوال علمائهم واجتهاداتهم و إن كان قد وُلِدَ بعضُهُم ـ كشيخنا الصدوق (رحمه الله) ـ بدعاء الإمام الحجة (عليه السلام) ، مع اعتقادهم الكامل فيه بأ نّه الإمام الثقة ، والصدوق في القول والعمل ، والحامل إليهم علوم آل محمد ، لكنّ هذا كلَّهُ لا يمنعهم من الدخول معه في نقاش علميّ منطقيّ رزين ، لأ نّه (رحمه الله)لا يدّعي العصمة لنفسه كما أنّا لا نقول بعصمته ، وبذلك يكون كلامه (رحمه الله)عرضةً للخطأ والصواب ، وهو كغيره من الفقهاء قد يعدل عمّا كان يقول به و يفتي بشيء آخر غير ما كان يذهب إليه . وعليه فالشيخ (رحمه الله) لم يتّهم قائل الشهادة الثالثة بالتفويض بل قال : بأنّ المفوّضة وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان ، وبين الامرين فرق واضح . وهذا الكلام من الشيخ الصدوق لا ينفي وجود نصوص صريحة عنده صدرت عن الإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) دالّة على وجود معنى الولاية والإمامة في الأذان(1) لا على نحو الزيادة والجزئية ، بل على نحو التفسيرية كما جاء في تفسير ____________ 1- وهذا ما سنوضحه لاحقاً ضمن كلامنا عن الدليل الكنائي في الشهادة الثالثة : 157 . الصفحة 38 معنى " حيّ على خير العمل " عن المعصومين ، إذ أراد الإمام الكاظم (عليه السلام) حثّاً عليها ودعوة إليها في الأذان ، غيرَ محدِّد (عليه السلام)لصيغها ، فقد تكون : " أشهد أنّ علياً ولي الله " وقد تكون : " محمد وعلي خير البشر " وقد تكون : " محمد وآل محمد خير البرية " ، وقد تكون شيئاً آخر يرد عنهم(عليهم السلام) أو يأذنون به ، لكنّها كلّها تتضمن معنى الولاية . وعلى هذا ، كيف يُتَصَوَّرُ اتّهام شيخنا الصدوق (رحمه الله) القائلين بما يدلّ على الولاية في الأذان بالتفويض ، مع علمه بوجود فصل " حيّ على خير العمل " الدالّ على الولاية لعليّ ولزوم البرّ بفاطمة وولدها في الأذان ؟! وعليه ، فمع وجود نصٍّ صريح واضح من قبل الأئمّة بأنّ " حيّ على خير العمل " هي الولاية ، ووقوفِ الصدوق على ذلك النص ـ وهو المحدّث المتتبّع ـ يفهمنا بأنه(رحمه الله) يعني بكلامه القاصدين للجزئية على نحو الخصوص لقوله(رحمه الله) : " لكن ذلك ليس في أصل الأذان " . فهل يعقل أن لا يسمح الشيخ للقائلين بها أن يفتحوها بعبارات دالّة عليها ـ مع التأكيد على أ نّها ليست جزءً ـ دفعاً لاتّهام المتَّهِمِين وافتراءات المُفتَرِين ، أو رفعاً لمنزلة الإمام عليّ عند شيعته وعند غيرهم ـ المحظور آنذاك ـ ؟! إِنّ الجواب عن ذلك لايمكن أن يُتَصَوَّرَ في هذا المجال إلاّ من خلال أحد دوافع ثلاثة دفعت الشيخ لهذا القول . وهي إمّا ظروف التقية التي كان يعيشها الشيخ ، فإنه (رحمه الله) قد يكون قالها حقناً لدماء البقية الباقية من الشيعة ، خصوصاً وأنّ الشيخ كتب "كن لا يحضره الفقيه" بقصبة بلخ من أرض ايلاق الواقع حالياً شمالي افغانستان. أو أ نّه قالها تبعاً لمشايخه القميين . أو أ نّه قالها بعد أن وجد المفوِّضة ـ الطائفة المنحرفة عن الأمة ـ هم أكثر الناس تبنّياً علنِيّاً لهذا الشعار ، وأنَّ قولهم لها كان على نحو الشطرية والجزئية لقوله (رحمه الله)" ولكن ذلك ليس في أصل الأذان " ، وهذا ممّا لا يسمح به الشرع . و إليك الآن توضيح النقاط الثلاثة الآنفة : الصفحة 39 علاقة الغلو والتفويض بالشهادة الثالثة 1 ـ علاقة الغلوّ والتفويض بالشهادة الثالثة تمهيد الغلو في اللّغة : هو تجاوز الحدّ والخروج عن القصد(1) ، ومنه : غلا السعر يغلو غلاءً ، وغلا الرَّجُلُ غُلُوّاً ، وغلا بالجارية لحمُها وعظمُها : إذا أسرعت الشباب وتجاوزت لِداتها . وفي المصطلح : هو الإفراط غير المرضيّ بالعقيدة ، وهو كأنْ يقول شَخْصٌ بأُلوهيّة النبي(2) ، أو الإمام(3) ، أو مشاركته في العبودية أو الخلق والرزق ، وأنّ الله تعالى قد حلّ فيهم أو اتّحد بهم ، أو أ نّهم يعلمون الغيب بغير وحي ، أو إلهام ، أو فضل من الله ، أو القول في الأئمّة أ نّهم كانوا أنبياء ، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض ، أو القول بأنّ معرفتهم تغني عن جميع الطـاعات والعبادات ، ولا تكليف معها بترك المعاصي . والاعتقاد بكلّ منها إلحادٌ وكفرٌ وخروج عن الدين ، كما دلّت عليه الأدلة العقلية ، والآيات ، والأخبار . والتفو يض : هو أن يكون العبد مستقلاًّ في الفعل بحيث لا يقدر الربّ على صرفه ، وأنّ الله بعد أن خلق الأئمّة فوّض إليهم خلق العباد ورزقهم ، وهذا هو ____________ 1- مفردات الراغب : 377 ، لسان العرب 6 : 329 . 2- قال ابن تيمية في الجواب الصحيح 3 : 384 ، ظن طائفة من غلاة المنتسبين إلى الإسلام وغيرهم ، أنّ الاشياء خلقت منه [أي من النبي(صلى الله عليه وآله)] حتى قد يقولون في محمد(صلى الله عليه وآله) من جنس قول النصارى في المسيح . 3- قال المفيد في تصحيح الاعتقاد : 238 الغلاة من المتظاهرين بالإسلام ، نسبوا إلى أمير المؤمنين والأئمة من ذريته الألوهية والنبوة ، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا ما تجاوزوا فيه الحدّ وخرجوا عن القصد . الصفحة 40 الآخر كفر والحاد تَبَرَّأ الأئمّة منه . قال الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد : والمفوِّضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة : اعترافهم بحدوث الأ ئمّة وخلقهم ، ونفي القدم عنهم ، و إضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم ، ودعواهم أنّ الله سبحانه وتعالى تفرّد بخلقهم خاصّة ، وأ نَّهُ فَوَّضَ إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال(1) . وقال العلاّمة المجلسي : وأ مّا التفو يض فيطلق على معان ، بعضها منفيُّ عنهم (عليهم السلام) ، وبعضها مثبت لهم ، فالأول التفو يض في الخلق والرزق والتربية والإماتة والإحياء ، فإنّ قوماً قالوا : إنّ الله تعالى خلقهم وفَوَّضَ إليهم أمر الخلق ، فهم يخلقون و يرزقون و يميتون و يحيون ، وهذا الكلام يحتمل وجهين : أحدهما أن يقال : إنّهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم و إرادتهم وهم الفاعلون حقيقةً ، وهذا كُفرٌ صريح دلّت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به . وثانيهما : إنّ الله تعالى يفعل ذلك مقارِناً لإرادتهم ، كشقِّ القمر ، و إحياء الموتى ، وقلب العصا حية ، وغير ذلك من المعجزات ، فإنّ جميع ذلك إنّما تحصل بقدرته تعالى مقارناً لإرادتهم لظهور صدقهم ، فلا يأبى العقل عن أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثمّ خلق كلّ شيء مقارناً لإرادتهم ومشيتهم . وهذا و إن كان العقل لا يعارضه كِفاحاً ، لكنّ الأخبار السالفة(2) تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهراً بل صُراحا ، مع أنّ القول به قولٌ بما لا يُعْلَمُ ، إذ لم ____________ 1- تصحيح اعتقادات الإمامية : 134 ، وعنه في خاتمة المستدرك 5 : 234 ، وبحار الانوار 25 : 345 . 2- وهي الاخبار التي ذكرها المجلسي قبل هذا الكلام . الصفحة 41 يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم ... إلى آخر كلامه (رحمه الله)(1) . نعم ، وردت الأخبار في تفويض الأحكام إلى النبيّ والأئمّة . ولهذا مبحث مفصل مذكورٌ في مظانّه . إنّ فكرة الغلوّ لم تكن وليدة العصور المتأخّرة ، بل هي قديمة بقدم تاريخ الإنسان . فالناس لما أُرسل إليهم الرُّسل كانوا يتصوّرون لزوم كونهم ملائكة وأ نّهم ليسوا من أصناف البشر ، والله سبحانه يؤكّد في كتابه مراراً بأنّ المرسلين هم أُناس يأكلون و يمشون في الأسواق ، وهم بشر كغيرهم من الناس وليس لهم الخلد ، فقال سبحانه : { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَآءَ هُمُ ا لْهُدَى إلاَّ أَن قَالُواْ أَ بَعَثَ اللهُ بَشَرَاً رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الاَْ رْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً }(2) . وقال تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الاَْ مْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }(3) . وقوله تعالى { ما المَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ }(4) ، وقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إِلاَّ أَ نَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعاَم وَ يَمْشُونَ فِي آلاَْسْواقِ }(5) ، وقول نبي الله أَ يَّوب كما حكاه القرآن : { وأَيُّوب إِذْ نَادَى رَبَّهُ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَ نْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }(6) ، وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَر مِن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ متَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ ____________ 1- بحار الانوار 25 : 347 . 2- الاسراء : 94 ـ 95 . 3- الانعام : 9 . 4- المائدة : 75 . 5- الفرقان : 20 . 6- الأنبياء : 83 . الصفحة 42 المَوْتِ }(1) ، وقوله تعالى مخبراً عن رسول الله : { أَفَإِن ماتَ أَوْ قُتِلَ }(2) ، إلى غيرها من الآيات . بلى ، إنّ اليهود والنصارى فرَّطوا وأفرطوا في هذه الروح الإنسانية ، حيث فَرّط اليهود في عيسى حتّى قذفوا مريم ، وأفرطوا فقالوا عزير بن الله(3) ، والنصارى غلوا في عيسى حتى جعلوه ربّاً(4) . وعليه فالناس كانوا على ثلاث طوائف : 1 ـ طائفة تستبعد أن يكون للإنسان ـ النبي ـ القدرة على الارتباط بعالم الغيب ، كما جاء على لسان قوم شعيب (عليه السلام) حيث قالوا له : { وَمَا أَ نْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَ إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ ا لْكَاذِبِينَ }(5) . 2 ـ طائفة كانت تُأَلِّه الأَنبياء ، إذ قال سبحانه : { لقد كفر الذين قالوا انَّ اللهَ هُوَ المسيحُ ابن مَرْيَمَ }(6) وقال تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَة وَمَا مِن إِلهِ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَلَئِن لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لََيمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ }(7) . 3 ـ طائفة ثالثة وهم المؤمنون الذين انتهجوا منهج الأنبياء القائلين : { قل إنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ إِنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَآسْتَقِيُموا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ ____________ 1- الأنبياء : 34 ، 35 . 2- آل عمران : 144 . 3- قال سبحانه في سورة التوبة : 30 ( وَقَالَتِ ا لْيَهُودُ عُزَيْرٌ ا بْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى ا لْمَسِيحُ ا بْنُ اللَّهِ ) . 4- قال سبحانه في سورة المائدة ( لَّقَدْ كَفَرَ ا لَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ ا لْمَسِيحُ ا بْنُ مَرْ يَمَ ) . وقال سبحانه في سورة النساء : 172 ( لَّن يَسْتَنكِفَ ا لْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلاَ ا لْمَلاَئِكَةُ ا لْمُقَرَّبُونَ ) . 5- الشعراء : 186 . 6- المائدة : 17 ، 72 . 7- المائدة : 73 . الصفحة 43 لِلْمُشْرِكينَ }(1) ، وقوله تعالى : { قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبِ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِن أَتَّبِعُ إلاّ ما يُوحَى إليَّ }(2) . والإمامُ عليُّ أوضح حال المجتمع الإسـلامي في عهده ثمّ من بعده ، وأ نّه لا يخرج عن هذه الاتّجاهات الثلاثة : 1 ـ من يقصّر في دين الله . 2 ـ من يغالي في دين الله . 3 ـ من ينتهج المنهج الصحيح و يتّخذ الطريقة الوسطى . فقال (عليه السلام) : دين الله بين المقصّر ، والغالي ، فعليكم بالنمرقة الوسطى ، فبها يلحق المقصّر ، و يرجع إليها الغالي(3) . وفي نص آخر عنه (عليه السلام) : عليكم بالنمرقة الوسطى ، فإليها يرجع الغالي ، وبها يلحق التالي(4) . وأَ وْف ولا تَسْتَوفِ حَقَّكَ كُلَّهُ وصافِحْ فَلَم يَسْتَوفِ قَطُّ كَرِيمُ ولا تَغْلُ في شيء من الأَمرِ وآ قْتَصِدْ كِلا طَرَفي قَصْدِ الأُ مُورِ ذَمِيمُ(5) وعن الإمام السجاد (عليه السلام) : وذهب آخرون إلى التّقصير في أمرنا واحتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوه بآرائهم واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا(6) . ومما لا شكّ فيه هو أنّ التقصير كان عنواناً للعامّة في الأعمّ الأغلب ، ثم أُطلِقَ ____________ 1- الكهف : 110 . 2- الانعام : 50 . 3- انظر الغدير 7 : 70 عن ربيع الأبرار للزمخشري باب الدين وما يتعلق به من ذكر الصلاة والصوم والحج ... 4- جمهرة الامثال للعسكري 1 : 20 والصفحة 419 ، المثل / رقم 700 ، دار الفكر طـ 2 . 5- عن تفسير القرطبي 6 : 21 ، والشعر للخطابي ذكره في كتابه العزلة : 99 . باختلاف إذ قال : تسامح ولا تستوف حقك كُلَّهُ وأبق فلم يستوف قط كريم 6- كشف الغمة 2 : 311 . وعنه في بحار الأنوار 27 : 193 / ح 52 . الصفحة 44 على بعض الخاصّة بدعوى أ نّهم لا يدركون مقامات الأئمّة . والغلوّ هو فيمن يرفع النبي والإمام عن مستواهما الإنساني و يدّعي الربوبية والخلق والرزق لهما . والطريقة الوسطى هي اتّباع منهج التشيّع المحمدي العلويّ الأصيل . والباحث في كتب الرجال يقف على اسماء عدد غير قليل ممن عاصروا الأئمة وصفوا بالغلوّ والتفو يض ، فقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله اسماء بعض معاصري الأئمّة الموصوفين بالغلوّ . فذكر (رحمه الله) في أصحاب السجاد(عليه السلام) : فرات بن الأحنف العبدي ، يرمى بالغلوّ والتفريط في القول(1) . وفي أصحاب االكاظم (عليه السلام) : ذكر محمد بن سليمان البصري الديلمي قائلاً : له كتاب ، يرمى بالغلوّ(2) . وفي أصحاب الرضا (عليه السلام) : ذكر طاهر بن حاتم ، وعمر بن فرات ، ومحمد بن جمهور العميّ ، ومحمد بن الفضيل الأزدي الصيرفي ، ومحمد ابن صدقة ، ورماهم بالغلوّ(3) . وفي أصحاب الجواد (عليه السلام) : ذكر الحسن بن علي بن أبي عثمان السجادة مع وصفه له بالغلوّ له ، كما ذكره في أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)بنفس الوصف(4) . كما ذكر في أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) : أحمد بن هلال العبرتائي ، و إسحاق ____________ 1- رجال الشيخ : 119 / ت 1206 ، وقال الغضائري : غال كذاب ، يروي عن الإمام السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام) ، رجال بن داود : 266 / ت 290 . 2- رجال الشيخ : 343 / ت 5109 . 3- راجع رجال الشيخ : 359 / ت 5314 ، الطاهر بن حاتم ، والصفحة 362 / 5363 ، لعمر بن فرات ، والصفحة 364 / ت 5404 ، لمحمد بن جمهور العمي ، والصفحة 365 / ت 5423 ، لمحمد بن فضيل الازدي ، والصفحة 366 / ت 5448 ، لمحمد بن صدقة . 4- رجال الشيخ : 375 / ت 5548 ، والصفحة 385 / ت 5675 . الصفحة 45 بن محمد البصري ، والحسين بن عبيد الله القمي ، والحسن بن بابا القمي ، وعلي بن يحيى الدّهان ، وفارس بن حاتم القزو يني ، وعروة بن يحيى الدهقان ، والقاسم الشعراني اليقطيني ، ومحمد بن عبدالله بن مهران الكرخي ، وأبا عبدالله المغازي(1) . وممن عدّهم الشيخ من الغلاة في أصحاب العسكري (عليه السلام) : محمد ابن موسى السريعي(2) ، ومحمد بن الحسن بن شمون ، وغيرهما(3) . فهنا نتساءل : كيف يمكن تصوّر هكذا حالة في أصحاب الأئمّة ومعاصريهم(4) ، أو بين الفقهاء والمحدّثين ممن لهم علاقة بهم (عليهم السلام) ، مع وقوف الكلّ على منهج الأئمّة وذمّهم للغلاة والمفوّضة(5) . وهل أنّ هذه التهم المتراشقة بين الأطراف هي عناو ين حقيقية وواقعية ، أم أ نّها تصوّرات واحتمالات أُطلقت من هذا الطرف ضدّ ذاك حرصاً على المذهب وتحاشياً من دخول الأجنبيّ ؟ الحقيقة هي أ نّا رأينا حين البحث أنّ بعض تلك العناو ين واقعية ، كما هي في أبي الخطاب وبنان بن سمعان وآخرين ، وأُخرى لم تكن كذلك ، لرجوع القائلين بها عن قولهـم أو لأنّ التحقـيق العلمي أثبت خلاف المنسـوب إليهم ، كما في أحمد بن محمد بن خالد البرقي وأمثاله . وعليه فالغلوّ هو عنوان مشكَّكٌ يطلق تارة على مدّعي الربوبية لأشخاص ____________ 1- رجال الشيخ : 384 ـ 393 . 2- وفي بعض النسخ " الشريعي " . 3- رجال الشيخ : 402 / ت 5901 ، لمحمد بن موسى السريعي ، و 5903 ، لمحمد بن الحسن بن شمون . 4- سنتعرض بعد قليل في "منهج القميين والبغداديين" من صفحة 89 ـ 125 نماذج من هذا فانتظر . 5- انظر مثلا مقباس الهداية للمامقاني 2 : 403 ـ 416 . الصفحة 46 بالخصوص حقيقةً ، وقد تكون تهمةً ، إذ أنّ الأمر ليس كذلك ; لأنّ الله قد منح لبعض من اصطفاهم من عباده أشياءً خاصة من قبيل إحياء الموتى بإذن الله و إبراء الأكمه بإذنه ، ومن هنا بَدَأَ الصراع بين الاتجاهات الثلاثة عقائدياً . فمنهم من يرى كذبها ; لعدم تحمّل عقولهم لها ، ومنهم من يرى أ نّهم آلهة أو مفوَّضين من قبل الله سبحانه وتعالى حقّاً ، وكثير من هؤلاء التبس عليهم الأمر أوّلاً ثمّ رجعـوا عما كان يقولون به لمّا اتّضح لهم وجه الأمر . ومنهم من لا يرى سوى أ نّهم عبيدٌ اصطفاهم الله سبحانه وتعالى لطهارة أصلهم ، يقدرون على ما لا يقدر عليه عامة البشر ، بإذن الله لا غير ، ولو شاء الله لسلبهم هذه القدرة بطرفة عين .. قال الشيخ المفيد : إنّ الأئمّة من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد و يعرفون ما يكون قبل كونه ، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطاً في إمامتهم ، و إنّما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إيّاه للّطف في طاعتهم والتّمسّك بإمامتهم ، وليس ذلك بواجب عقلاً ولكنّه وجب لهم من جهة السّماع . فأ مّا إطلاق القول عليهم بأ نّهم يعلمون الغيب فهو منكر بيّن الفساد ، لأنّ الوصف بذلك إنّما يستحقّه من عَلِمَ الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد ، وهذا لا يكون إلاّ الله عزّ وجلّ ، وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامية إلاّ من شذّ عنهم من المفوّضة ومن انتمى إليهم من الغلاة(1) . وعليه فإنّ الاختلاف الملحوظ بين العلماء يرجع إلى فَهْمَيْن لطائفة من الروايات يتمسّك بها كلّ واحد في ما يريد الوصول إليه وما يعتقد أنه المراد الصحيح من تلك الروايات(2) ، وليس رميُ بعض لبعض للعداوة أو للجُزاف كما ____________ 1- أوائل المقالات : 67 المطبوع ضمن مجموعة الشيخ المفيد ج 4 . 2- انظر على سبيل المثال ما جاء في علم الإمام في الكافي 1 : 239 ، 255 ، 223 ، 228 ، 221 ، 240 ، 241 ، 256 ، 258 ، 253 ، 274 ، 294 ، 297 . الصفحة 47 قد يتصوّره البعض ، على أ نّنا في الوقت نفسه لا ننكر تسرّع البعض في إطلاق الأحكام على الآخر ين قبل التروّي والتّأنيّ . وبذلك يكون سلاح التفويض والتقصير ذا حَدَّين يستخدم من كلّ جانب للاطاحة بالآخر ، وكلا الطرفين يستخدمه حرصاً على الإسلام ومتبنّياته العقائدية . فنحن لو تناسينا الاتّجاهين المقصِّر والغالي الواقعيَّين ، فإنّ النَّمرقة الوسطى ( الاتّجاه الثالث ) كان خائفاً من دخول أفكار هذين الاتّجاهين ضمن كلام محدّثيهم ورواتهم . فالبغداديون المتَّهمون بالغلوّ ليسوا بغلاة ولا مقصِّرة ، كما أنّ الشيعة القميّين ليسوا كذلك أيضاً ; لكن مع ذلك نرى صراعاً بين المدرستين البغدادية والقمّيّة ، واتّهامَ كُلِّ واحد منهما للآخر بالتفو يض والتقصير ، مع اعتقادهما سو يّةً بأنّ الأئمّة سلام الله عليهم بشرٌ معصومون لا قدرة لهم على شيء إلاّ ما أعطاهم الله على نحو الاصطفاء والاجتباء ، على منوال المسيح عيسى بن مريم سلام الله عليه الذي كان يحيي الموتى و يُبرئُ الأكمَه بإذنه تعالى . ولا يمكن احتمال شيء في هذا الصراع سوى الخوف على المذهب من قِبَل كِلا المدرستين . فالمدرسة القميّة تشدّدت في بعض الأفكار ، وعلى بعض الرواة ، خوفَ الوقوع في مهلكة التفويض والغلوّ ، والمدرسة البغدادية أرادت تحرير العقيدة من ذاك التشديد ، خوفَ الوقوع في زنزانة التقصير والتفريط بمقامات الأئمّة سلام الله عليهم . ولو تأ مّلت في روايات وأقوال الطرفين لصدّقتنا في مدّعانا ، لأ نّك قد ترى ما يستشم منه الغلوّ في مرو يّات القميين ـ المتهجّمين على الغلاة ـ لأنّ الأصول المعرفية التي رواها القميون فيها الكثير من المعارف التي لا يتحمّلها بعض البشر ، فمثلاً روى ابن قولو يه والكليني وغيرهما في إحدى زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) ، ما قد يتخيّل منه الغلوّ كقوله : ( إرادة الربّ في مقادير أموره تهبط اليكم وتصدر من الصفحة 48 بيوتكم )(1) . ونحوها الزيارة الجامعة الكبيرة التي فيها غالب مقامات الأئمّة وصفاتهم وكمالاتهم والتي لم يروها إلاّ القميّون ، والشيخ الطوسي رواها عن الصدوق رحمهما الله(2) ، والصدوق رواها معتقِداً بصحّة جميع فصولها ، لأ نّه كان قد قال في أوّل الفقيه : " لم أقصـد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أ نّه حجّة فيما بيني وبين ربي " . فعدم رواية الصدوق(3) المقطع السـابق في زيارة الإمام الحسين ـ وبشهادة كثرة رواياته في مقامات الأئمّة العظيمة ـ لا يعني أ نّه كان من المقصّـرة والآخرون من الغلاة . بل يروي أو لا يروي لصحة تلك الروايات عنده أو ضعفها . إذن ماذا تعني روايتهم لهذا المقطع مع ما عرف عنهم من وقوفهم أمام الغلاة والمفوِّضة ؟ وعلى أيّ شيء يدل ذلك ؟ وكذا الحال بالنسبة إلى المتّهمين بالتفو يض ، فتراهم يروون أحاديث قد تكون ذريعةً لرميهم بالتقصير كذلك . إنّ تشدّد القميّين لا يعني اتّهام جميع البغداديين بالغلوّ والتفو يض ، وكذا الحال بالنسبة إلى القميين حيث لا يعني أ نّهم كانوا مقصّرين حقاً ، بل إنّ مواقفهم نبعت من حرصهم العميق على العقيدة . وقد أَخرج أحمدُ بن محمد بن عيسى الأشعري بالفعل، البرقيَّ ، وسهلَ بن زياد الآدميَّ ، وغيرهما عن قم ، وهو يشير إلى وجود عقائد يمكن للمتشدّد تصـنيفها ضمن الغلوّ في قم ، و إن لم تكن كذلك في واقع الحال ، وكذا الحال بالنسبة إلى بغداد ، فقد يكون فيها عقائد يمكن تصنيفها ____________ 1- انظر كامل الزيارات لابن قولويه : 366 / الباب 790 / ح 616 ، والكافي 4 : 577 / ح 1 ، من باب زيارة قبر أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) ، وعنه في التهذيب 6:55 / ح 131. 2- تهذيب الاحكام 6 : 95 / الباب 46 / ح 177 ، وانظر رواية الصدوق في من لا يحضره الفقيه 2 : 609 / ح 213 . 3- الفقيه 2 : 596 . الصفحة 49 في إطار التقصير ، مع أ نّها ليست كذلك في واقع الأمر ، وهذا ما سـنوضّحه بعد قليل تحت العنوان الثاني من بحوثـنا التمهيدية ( منهج البغداديين والقميين في الرجال والعقائد ) . وهو يؤكد لنا أنّ علماء الشيعة الإمامية ـ سواء كانوا في قمّ أو بغداد أو الريّ أو خراسان أو غيرها ـ قد حافظوا على تراث أهل البيت وجَدُّوا في إيصاله إلى الأجيال اللاّحقة مع كامل الحيطة والحذر من إدراج الدخيل والمزوّر ضمن الأحاديث ، وتمحيصها من الزائف واللصيق ، كي تكون رواياتنا بعيدة عن الغلوّ والتقصير . هل الغلو من عقائد الشيعة أم ... وبعد كلّ هذا نرجع إلى موضوع الشهادة الثالثة ، لكي نرى هل أ نّه يرتبط بهذا النحو من التفكير ، أم ذاك ؟ وذلك بعد بيان جملة من المسائل حول الغلو والتفويض . فمن الثابت المعلوم أنّ الإمام علياً (عليه السلام) رجل اتّفق عليه الجميع ، فالعامّة لا تشكّ في لياقته للإمامة وكونه من الخلفاء الراشدين ، والشيعة الإمامية تعتبره وصيّ رسول ربّ العالمين وخليفته بلا فصل . فقد ولد الإمام علي في الكعبة(1) ، واستشهد في محراب العبادة(2) ، وهو المطهر الذي سكن مسجد رسول الله(3) ، وهو الصدّيق الذي آمن بالله وآدم بين الروح والجسد(4) ، وهو الذي لم يسجد ____________ 1- مستدرك الحاكم 3 : 550 / ح 6044 ، مروج الذهب 2 : 349 ، السيرة الحلبية 3 : 498 ، خصائص الأئمة : 39 ، نهج الايمان : 660 / الفصل 47 . 2- طبقات ابن سعد 3:33، مشاهير علماء الامصار:6 ، المعجم الكبير 1:97 / ح 168. 3- مسند أحمد 1 : 175 / ح 1511 ، تاريخ دمشق 42 : 238 / 165 ، القول المسدد : 18 ، ذخائر العقبى : 76 ، مناقب بن شهرآشوب 2 : 37 ، العمدة : 180 . 4- الامالي للمفيد : 6 / المجلس الاول / ح 3 ، الامالي للطوسي : 626 / ح 1292 ، بحار الانوار 39:240 . الصفحة 50 لصنم قط(1) ، وهو أولّ القوم إسلاماً(2) ، وأسبقهم إيماناً(3) لم يسبقه إلى الصلاة إلاّ رسول الله(4) ، وهو أخو الرسول(5) بل نفسه(6) ، وزوج البتول(7) ، وأبو السبطين الحسن والحسـين ، وهو الذي بذل مهجته في نصرة دين الله وحماية رسول رب العالمين(8) ، ونام على فراشه (صلى الله عليه وآله)(9) واقياً له بنفسه ، وكان صاحب ____________ 1- تاريخ إربل 1 : 101 ، ايضاح الفوائد 1 : 6 ، بحار الأنوار 42 : 283 ، فتح المغيث 2:184. 2- مسند أحمد 1 : 330 / ح 3062 ، 4 : 368 / ح 19300 ، مسند البزار 9 : 322 / ح 3872 ، الاوائل للطبراني : 78 / باب أول من أسلم علي بن أبي طالب / ح 51 و 53 ، الاوائل لابن أبي عاصم : 79 / ح 70 و 74 و 107 ، طبقات ابن سعد 3 : 21 . 3- المعجم الكبير 1 : 95 / ح 163 ، 6 : 269 / ح 6184 ، مسند البزار 9 : 342 / ح 3898 / ح 19303 ، مجمع الزوائد 9 : 102 ، عن الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، الاستيعاب 3 : 1091 ، 1095 ، 4 : 1820 . 4- نهج البلاغة 2 : 13 / الخطبة 131 ، الطبقات الكبرى 3 : 21 ، مسند أحمد 4 : 368 ، سنن الترمذي 5 : 305 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 500 ، قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، مجمع الزوائد 9 : 103 ، قال : رجاله رجال الصحيح عدا حبة العرني وقد وثقاه، مصنف بن أبي شيبة 8 : 43 ، سنن ابن ماجه 1 : 44 / ح 120 . 5- سنن الترمذي 5 : 636 / ح 3720 ، مسند أبي يعلي 1 : 437 / ح 445 ، 1 : 401 / ح 528 ، 4 : 266 / ح 2379 ، مسند أحمد 1 : 230 / ح 2040 ، معجم الشيوخ 144 / ح 97 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 15 / ح 4288 ، المعجم الكبير 12 : 420 / ح 13549 الاصابة 4 : 565 ، تاريخ بغداد 7 : 387 . 6- تفسير السمعاني 1:327، تفسير ابن كثير 1:372، تفسير البغوي 1:310، المستدرك على الصحيحين 3:163 / ح 4719 ، قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. 7- سنن أبي داود 2 : 240 ، سنن النسائي 6 : 129 ، 130 ، مسند أحمد 1 : 80 ، مسند البزار 2 : 110 ، تاريخ دمشق 42 : 124 ، البداية والنّهاية 7 : 342 . 8- اُنظر كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة 1 : 105 ، الخطبة 56 ، و 1 : 200 ، الخطبة 104 وما ذكره ابن اعثم في كتاب صفين : 315 ، 520 ، انظر تاريخ الطبري 2 : 65 ، الأغاني 15 : 187 . 9- تفسير الطبري 9 : 228 ، الدر المنثور 4 : 51 ، 53 ، المصنف عبدالرزاق 5 : 389 ، المعجم الكبير 11 : 407 . الصفحة 51 رايته في الحروب(1) وصاحب عَلَمِهِ(2) ، وأحبّ الخلق إليه(3) ، وأمينه(4) ، ووزيره(5) ، ووصيه(6) ، والمؤدّي عنه دينه(7) ، والمؤمن الذي لم ينقلب على عقبيه(8) ، والمنتظِر الذي لم يبدّل تبديلا (9) . إن شخصاً كعلي بن أبي طالب اختصّه الله بأُمور لا تكون عند الآخرين لحريٌ ____________ 1- اُنظر تاريخ الطبري 2 : 20 ، و 2 : 50 ، و 2 : 113 ، تاريخ خليفة : 67 . 2- اُنظر المعجم الكبير 11 : 65 / ح 11061 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 137 ، 138 ، التفسير الكبير 3 : 137 ، 138 ، 8 : 20 ، شرح المقاصد 2 : 300 ، ينابيع المودة 1 : 137 ، 2052 ، 220 ، 222 ، وغيره . 3- اُنظر سنن الترمذي 5 : 636 / ح 3721 ، المعجم الكبير 1 : 253 / ح 730 ، و 7 : 82 / ح 6437 ، و 10 : 282 / ح 10667 ، سنن النسائي الكبرى 5 : 107 / ح 8398 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 141 / ح 4650 ، و 3 : 142 / ح 4651 ، علل الشرائع 1 : 61 ، الفصول المختارة : 96 ، كنز الفوائد : 228 ، الامالي للطوسي : 253 ، و 333 ، و 558 ، الاحتجاج للطبرسي 1 : 173 ، و 174 و 190 . 4- مسند البزار 3 : 105 / ح 891 ، السنة لابن أبي عاصم 2 : 599 / ح 1330 ، المطالب العالية 8 : 384 / ح 1685 ، مجمع الزوائد 9 : 156 ، خصائص علي للنسائي 1 : 90 / ح 73 . 5- السنن الكبرى للنسائي 5 : 126 / ح 8451 ، المعجم الكبير 12 : 321 ، الذيل على جزء بقي بن مخلد : 126 ، عيون اخبار الرضا 1 : 16 / ح 30 ، وسائل الشيعة 27 : 186 / ح 33560 ، شرح الاخبار 1 : 121 / ح 48 . 6- بصائر الدرجات : 186 / ح 19 ، علل الشرائع 1 : 170 / ح 1 ، 2 ، كنز الفوائد : 185 ، امالي الطوسي : 58 / ح 83 ، المعجم الكبير 3 : 57 / ح 2675 ، شرح النهج 13 : 211 ، تاريخ الطبري 2 : 63 ، جواهر المطالب 1 : 80 . 7- عيون أخبار الرضا 1 : 13/ح 23 ، الخصال : 415/ح 5 ، امالي الصدوق : 250 / ح 275 ، كفاية الأثر : 121 ، كتاب السنة لابن أبي عاصم:551 / ح 1189 ، السنن الكبرى للنسائي 5 : 107 / ح 8397 ، 5 : 134 / ح 8479 ، وخصائصه : 101 ، تاريخ دمشق 42 : 49 . 8- المعجم الكبير 1 : 107 / ح 176 ، مجمع الزوائد 9 : 134 ، سنن النسائي الكبرى 5 : 125 / ح 8450 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 136 / ح 4635 ، مناقب الكوفي 1 : 339 / ح 265 ، العمدة : 444 / ح 927 . 9- الخصال : 376 ، الاختصاص : 174 ، بحار الأنوار 31 : 349 ، و 35 : 450 ، و 38 : 178 ، و 64 : 190 ، ينابيع المودة 1 : 285 . الصفحة 52 أن يقع محطاً للإفراط والتفريط ، حتّى قال هو عن نفسه : يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي : محبّ مفرط ومبغض مفرّط ، و إنّا لنبرأ إلى الله عزّوجلّ ممن يغلو فينا ، فيرفعنا فوق حدّنا ، كبراءة عيسى ابن مريم من النصارى ، قال تعالى { وَ إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ا بْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ا تَّخِذُوني وَأُ مِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُون لِي أَنْ أَ قُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَّ أَ عْلَمُ مَا في نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ا لْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَ مَرْتَنِي بِهِ أَنِ ا عْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِم شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ }(1) . بلى ، قد وصل الأمر بالبعض أن يرفع علياً (عليه السلام) إلى حدّ الربوبية ، وبالبعض الآخر أن ينكر فضائله التي هي أظهر من الشمس وضوحاً عند الجميع بغضاً وعناداً(2) . ولا يمكن تصوّر وجود حالة " مبغض مفرّط " بين الأصحاب من الشيعة ; نعم ، رُبَّ غلوّ وتفو يض قد سرى عند البعض منهم نتيجة لظروف مُعَيَّنة وملابسات خاصَّة ، واللافتُ هنا هو أنَّ المخالفين يعمّمون هذا الطعن إلى جميع الشيعة ، مع أ نّا لو تحرَّينا الأَمرَ بدقَّة وتجرُّد لرأينا فقهاءنا قاطبة يقولون بنجاسة الغلاة(3) ، ____________ 1- عيون اخبار الرضا 1 : 217 وعنه في بحار الانوار 25 : 135 / ح 6 ، وانظر نهج البلاغة 2 : 8 / الخطبة 127 ، الغارات 2 : 589 ، شرح الاخبار 2 : 405 / ح 748 . والآيات من 116 = 117 من سورة المائدة آية 116 ـ 117 . 2- انظر قول الشافعي في حلية الأبرار للبحراني 2 : 136 ، إذ قيل له : ما تقول في علي ؟ فقال : وماذا اقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفاً ، وأخفت اعداؤه فضائله حسداً ، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين . 3- منتهى المطلب 1 : 148 / البحث الرابع من المقصد الاول من كتاب الطهارة ، تذكرة الفقهاء 1 : 68 ، شرائع الإسلام 1 : 12 ، 13 ، والرسائل التسع : 277 الذكرى للشهيد الاول 1 : 109 ، العراض الثامن من الفصل الاول من باب الطهارة ، الرسائل العشر لابن فهد الحلي : 146 ، في النجاسات وأحكامها ، جامع المقاصد 1 : 160 ، مسالك الافهام 1 : 23 . الصفحة 53 وعدم جواز التزاوج معهم(1) ، وعدم حلّية ذبائحهم(2) ، وعدم جواز تغسيلهم(3)والصلاة عليهم(4) ، وعدم جواز توريثهم(5) ، وقال العلاّمة الحلي بخروجهم عن الإسلام و إن أقرّوا بالشهادتين(6) . والعجيب أنّ الآخرين يتهموننا بالغلو في حين لا ندري ما رأيهم بقول عمر بن الخطّاب ـ المعصوم عند ابن العربي(7) ـ بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " إنَّ رجالاً من المنافقين يزعمون أنَّ رسول الله توفّي ، و إنَّ رسول الله ما مات ولكنّه ذهب إلى ربِّه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثمَّ رجع بعد أن قيل : مات ; والله ليرجعنَّ رسول الله فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنَّ رسول الله مات "(8) ؟ وفي آخر : " من قال : إنّه مات ، علوت رأسه بسيفي ، و إنّما ارتفع إلى السماء "(9) . ____________ 1- كشف اللثام 2 : 19 . 2- قواعد الاحكام ، العلاّمة الحلي 3 : 318 . 3- قواعد الاحكام 1 : 223 ، شرائع الإسلام 1 : 30 . 4- تذكرة الفقهاء 2 : 25 . 5- قواعد الأحكام 3 : 344 ، تحرير الأحكام 2 : 171 . 6- منتهى المطلب 1 : 152 . 7- الفتوحات المكّية 1 : 200 . الباب الثلاثون " في معرفة الطبقة الاولى والثانية من الاقطاب " ... الخ . 8- تاريخ الطبريّ 2 : 232 ، سيرة ابن هشام 6 : 75 ، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله 2 : 433 ، السيرة الحلبية 3 : 475 ، وفي صحيح البخاريّ 3 : 1341 / ح 3467 / الباب الخامس ، قول النبي (صلى الله عليه وآله) لو كنت متخذاً خليلاً ، عن عائشة قالت : فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله ، قالت : وقال عمر : والله ما كان يقع في نفسي إلاّ ذاك وليبعثنّه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم . 9- تاريخ أبي الفداء 1 : 219 ، الغدير 7 : 74 ، وانظر تاريخ الطبري 2 : 233 وفيه كان عمر يتوعد الناس بالقتل . الصفحة 54 قال شاعر النيل حافظ إبراهيم : يصيح : من قال نفس المصطفى قبضت علوت هامته بالسيف أبريها(1) وقال إمام الحرمين في كتابه ( الشامل ) ـ كما في ( جامع كرامات الاولياء ) للنبهاني ـ : أن الأرض زلزلت في زمن عمر (رضي الله عنه) فحمد الله وأثنى عليه ، والأرض ترجف وترتجّ ، ثمّ ضربها بالدرّة وقال : قَرِّي ، ألم أعدل عليك ؟ فاستقرّت من وقتها . قال : وكان عمر (رضي الله عنه) أمير المؤمنين على الحقيقة في الظاهر والباطن ، وخليفة الله على أرضه ، فهو يعزّر الأرض ويُؤَدِّبُها بما يصدر منها ، كما يعزّر ساكنيها على خطئاتهم(2) . هذا هو الغلو ، فذاك غلو في النبيّ من عمر ، وهذا غلو في عمر من أتباعه ، لأنّ الزلازل تحكمها قوانين الطبيعة طبقاً لتدبير الله ، ولو كانت الأرض قد تأدّبت ____________ 1- من ابيات القصيدة العمرية لحافظ إبراهيم . انظر ديوانه 1 : 81 . 2- جامع كرامات الاولياء : 156 ـ 158 المكتبة الشعبية بيروت لبنان طـ سنة 1974 م . وفي التفسير الكبير 21 : 74 ـ 75 في تفسير قوله تعالى (أم حسبت ان أصحاب الكهف) : روى أن نيل مصر كان في الجاهلية يقف في كلّ سنة مرة واحدة ، وكان لا يجري حتى يُلقَى فيه جارية واحدة حسناء ، فلما جاء الإسلام كتب عمرو بن العاص بهذه الواقعة إلى عمر ، فكتب عمر على خرقه : أيّها النيل إن كنت تجري بأمر الله فاجر ، و إِن كنت تجري بأمرك فلا حاجة بنا إليك ، فألقيت تلك الخرقه في النيل فجرى ولم يقف بعد ذلك . الثالث : وقعت الزلزلة في المدينة فضرب عمر الدرة على الأرض وقال : اسكني بإذن الله ، فسكنت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك . وقد كان الفخرالرازي قد ذكر قبل ذلك : انّ عمر بن الخطاب بعث جيشاً وأمّر عليهم رجلاً يدعى سارية بن الحصين ، فبينما عمر يوم الجمعة يخطب جعل يصيح في خطبته وهو على المنبر : يا سارية ، الجبلَ ، الجبلَ ، فوصل الصوت إلى سارية وهو في المعركة ، فأسند ظهره بالجبل فهزم الله الكفار ببركة ذلك الصوت . وله حكايات أخرى للصحابة من احب فليراجعها في تفسيره عند ذيل هذه الآية . الصفحة 55 بتعزير عمر لما حدث زلزال بعد عمر ! بلى ، إنّه غلوّ وتشدّد من عمر حتّى تجاوز حدِّ التنز يل في صريح قوله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ}(1) . وقوله : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَ وْ قُتِلَ ا نْقَلَبْتُمْ عَلَى أَ عْقَابِكُمْ ... }(2) ، وبعد سماع عمر لصريح الآية المباركة ، قال : " فلكأنّي لم أقرأها إلاّ يومئذ "(3) ! ونحوه ما حكاه العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 134 : عن الشيخ زين العابدين البكري أ نّه لمّا قُرِئَتْ عليه قصيدة جدِّه محمّد البكري ومنها : لئن كان مدح الأوَّلين صحائفاً فإنَّا لآيات الكتابِ فواتحُ قال المراد : بأوَّل الكتاب : { الم ذَلِكَ ا لْكِتَابُ } فالألف أبو بكر ، واللام الله ، والميم محمّد(4) . وفي السيرة الحلبية : روي أنّ أبا بكر (رضي الله عنه) لمّا حضرته الوفاة قال لمن حضره إذا أنا مت وفرغتم من جهازي فاحملوني حتى تقفوا بباب البيت الذي فيه قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقفوا بالباب وقولوا : السلام عليك يا رسول الله ، هذا أبو بكر يستأذن ، فإن أذن لكم ـ بأن فتح الباب وكان الباب مغلقاً بقفل ـ فأدخلوني وادفنوني ، و إن لم يفتح الباب فأخرجوني إلى البقيع وادفنوني به ، فلمّا وقفوا على الباب وقالوا ما ذكر سقط القفل وانفتح الباب وسمع هاتف من داخل البيت : أَدْخِلُوا الحبيبَ إلى الحبيب ، فإنّ الحبيب إلى الحبيب مشتاق(5) . ____________ 1- الزمر : 30 . 2- آل عمران : 144 . 3- سنن ابن ماجه 1 : 520 / ح 1627 ، تفسير القرطبي 4 : 223 ، السيرة الحلبية 3 : 474 . 4- الغدير للاميني 8 : 49 طـ 3 دار الكتاب العربي بيروت . 5- السيرة الحلبية 3 : 493 ، التفسير الكبير 21 : 74 في قوله تعالى (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَ صْحَابَ الكَهْفِ) ، والرواية كذلك في تاريخ دمشق 30 : 436 ، والخصائص الكبرى 2 : 492 ، وكنز العمال 12 : 241 ، إلاّ أ نّها في المصادر الثلاثة الاخيرة روايات منكرة وغريبة . الصفحة 56 إنّ ما حكي من موافقات الوحي لعمر ، كلّها حطّ لمقام النبوة على حساب رفع مقام عمر ، و إ نّها أعلى مصاديق الغلوّ في الصحابة ، ففي تلك الروايات ترى عمر أكثر غَيرةً على العِرْضِ من النبي(1) ، وتراه أعرف بحكم الصلاة على المنافق من رسول الله(2) ، إلى غيرها من الموافقات المغالية الاخرى . وفي قبال نظرة عمر المغالية في النبي نرى مواقِفَ للأئمّة الأطهار (عليهم السلام)وأصحابهم تخالف مثل هذه التوجّهات التي لا تمتّ إلى روح وجوهر الشريعة بشيء ، وقد سجّلت الكتب أمثال هذه المواقف المتعلّقة في أبواب الفقه في مسائل النواصب الغلاة ، إضافةً إلى أنّ لأهل البيت روايات أُخرى بَيِّنة للردّ عليهما مذكورة ضمن مسائل الفقه والأحكام الشرعيّة الأُخرى . والذي يهمّنا الآن هو : أ نّا لا نقول إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) رُفِعَ إلى السماء ، بل نقول جازمين : إنّه مات كما جزم به القرآن الكريم ، وقد حكت الرواية الآتية تفاصيل مفردات هذا المعنى بكلِّ بيان ووضوح : لمَّا هَمَّ عليٌّ بغسل النبيّ سمعنا صوتاً في البيت : إنّ نبيَّكم طاهرٌ مُطَهَّرٌ ، فقال عليُّ : غَسّلُوه ... والله إنّه أمرني بغسله وكفنه وذلك سُنَّة ، قال : ثمّ نادى مناد آخر " يا علي ! استر عورة نبيك ولا تنزع القميص "(3) . فمن الطبيعي جدّاً أن يغسّل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ; إذ التغسيل من الأحكام الشرعية الجارية على جميع المكلّفين المسلمين على حدّ سواء ولا يستثنى منه نبي أو وصي ، ولو رجعت إلى كتب علمائنا في العقائد لرأيتهم يخالفون من أخذ بقول ____________ 1- تاريخ الخلفاء : 122 ، 116 ، فضائل الصحابة لاحمد : 11 . 2- تاريخ الخلفاء : 122 ـ 4 . 3- التهذيب 1 : 468 / ح 1535 ، وسائل الشيعة 2 : 477 / ح 2691 ، مناقب بن شهرآشوب 2 : 88 ، وانظر سنن أبي داود 3 : 196 / ح 3141 ، وسنن ابن ماجة 1 : 471 / ح 1466 . الصفحة 57 بعض شيوخ الأخبارية والشيخية من القول بطهارة دم الإمام(1) ، وذلك لاعتقادنا بجريان الأحكام على الجميع من غير استثناء ; إذ أنّ إطلاق نجاسة الدم تشمل دم المعصوم وغيره ، وقد كانوا (عليهم السلام) يعملون بهذا الحكم و يرفعون الدم عن أجسامهم وملابسهم . وقد سئل جدّي الأمّي الشيخ محمد علي الكرمانشاهي ـ ابن الوحيد البهبهاني ـ في كتابه ( مقامع الفضل ) فأفتى بعدم الطهارة(2) ، وادّعى عليه الشهرة من الخاصّة والعامّة . ومثل الغلوّ ، القول بالتفو يض ، فإنّه لم يكن مختصّاً بالشيعة ، فهناك طوائف من العامة تقول بذلك ، ففي كتاب ( التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع ) قال : ومن القدرية صِنْفٌ يقال لهم المفوّضة زعموا أ نّهم يقدرون على الخير كلّه بالتفو يض الذي يذكرون دون توفيق الله وهداه ، تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً(3) . فإذن الغلوّ والتفو يض هما موجودان عند الآخرين كما هما موجودان عندنا ، ____________ 1- ذهب بعض العامة كالشافعي وبعض الحنفية والمالكية وبعض الخاصة كالفاضل الدربندي في ( اسرار الشهادة ) إلى طهارة دم المعصوم ، مستدلين بآية التطهير ، وما روى عن أبي طيبة الحجام من أنه شرب دم النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقال له (صلى الله عليه وآله) : ما حملك على ذلك ؟ قال : أتبرك به . قال : اخذت أماناً من الأوجاع والأسقام والفقر والفاقة ولا تمسَّك النار . وغيرها من الروايات الدالة على فضيلة التبرك بدم النبي والإمام . اُنظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ( في الفقه الحنفي ) 4 : 51 ، والموافقات في أصول الفقه ( الفقه المالكي ) 4 : 68 الاقناع للشربيني ( فقه شافعي ) 1 : 89 . فالمسالة خلافية عند المسلمين ولا أثر عملى لها اليوم في عصر غيبة الإمام المهدي سلام الله عليه ، وإذا اردت المزيد يمكنك مراجعة كتاب اللمعة البيضاء : 84 ، للمولى محمد علي بن أحمد القراجة داغي التبريزي الانصاري ، حيث جمع فيه اراء العلماء وفتاواهم في هذه المسألة ، نترك الكلام عنها مكتفين بهذا التعليق . 2- مقامع الفضل 1 : 283 ، مسألة / رقم 275 . 3- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع 1 : 174 . الصفحة 58 فاتّهام طـرف دون آخر تجاوزٌ على المقاييس العلمية ، وكيل بمكيالين ، ونظر إلى الأمور بنظرة أحادية ضيّقـة غير موضوعية . إنّ وجود مجموعة أو شخصيّات مغالية داخل مذهب معيّن لا يجيز لنا اتّهام الجميع بالتطرّف والغلوّ ، لأنّ التطرّف والغلوّ يصيبان الأفراد والجماعات معاً ، ولا يختصان بطائفة دون أخرى أو مذهب ودين دون آخر ، والغلو مرفوض من قبل المسلمين الواعين ، وكان الأئمة من أهل البيت هم الأوائل من المسلمين الذين رفضوا فكرة الغلوّ ، فجاء عن ابن خلدون الناصبي قوله : وقد كفانا مؤونة هؤلاء الغلاة أئمّة الشيعة فإنّهم لا يقولون بها و يبطلون احتجاجاتهم عليها(1) . و إليك الآن بعض الروايات عن أهل البيت ، لتعرف موقفهم من الغلاة والمفوّضة وتأكيدهم على نفي الغلوّ عن أنفسهم وأ نّهم ليسو بآلهة ولا أنبياء(2) ، وليس بيدهم الخلق والرزق ، ولا يعلمون الغيب على نحو الاستقلال ، وهم بشر يأكلون و يشربون و يحتاجون في أُمورهم إلى الآخرين : فعن مالك الجهني ، قال : كنّا بالمدينة حين أُجلِيَتِ [ أُجلبت ] الشيعة ، وصاروا فرقاً ، فتنحَّينا عن المدينة ناحيةً ، ثمّ خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم وما قالت الشيعة ، إلى أن خطر ببالنا الربوبية ، فما شعرنا بشي ، إذا نحن بأبي عبدالله (عليه السلام) ____________ 1- مقدمة ابن خلدون : 199 . 2- قال الصادق : من قال إنّا أنبياء فعليه لعنة الله ، ومن شكّ في ذلك فعليه لعنة الله ، رجال الكشي 2 : 590 / الرقم 540 ، وعنه في بحار الأنوار 25 : 296 / الرقم 57 . وفي آخر قال الصادق : يا أبا محمد ابرأ ممن يزعم أنّا أرباب ، قلت : برئ الله منه ، فقال : ابرأ ممن زعم أ نّا أنبياء ، قلت : برئ الله منه ، رجال الكشي 2 : 587 / الرقم 529 ، وعنه في بحار الأنوار 25 : 297 / الرقم 60 . وفي خبر ثالث عن الصادق (عليه السلام) أ نّه قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : السلام عليك يا ربي ، فقال : مالك لعنك الله ، ربّي وربك الله ، أما والله لكنت ما علمتك لجباناً في الحرب ، لئيماً في السلم ، رجال الكشي 2 : 589 / الرقم 534 ، وعنه في بحار الأنوار 25 : 297 / الرقم 61 . الصفحة 59 واقف على حمار ، فلم ندر من أين جاء ، فقال : يا مالك و يا خالد متى أحدثتما الكلام في الربوبية ؟ فقلنا : ما خطر ببالنا إلاّ الساعة . فقال : آ عْلَما أنّ لنا ربّاً يكلاَُنا باللّيل والنهارِ نعبده . يا مالك و يا خالد ، قولوا فينا ما شئتم واجعلونا مخلوقين ، فكرَّرها علينا مراراً وهو واقف على حماره(1) . وعن خالد بن نجيح الجوّار ، قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلا

07:45:26 | Saturday, 20 , February , 2021

مواضيع ذات صلة

صورة

إضاءة 36

صورة

إضاءة 19

صورة

إضاءة 11

صورة

مراجعات علماء الشيعة في لبنان حول التطبير

صورة

حقائق هامة حول الخمس (3)

صورة

اجتهادات فاعلة في إصلاح الفكر الشيعي (1) شريعت سنغلجي

صورة

اسم الكتاب: الخرافات الوافرة في زيارة القبور

صورة

إضاءة 39

صورة

إضاءة 24

صورة

حديث الغدير ودلالته على النص بالإمارة والخلافة لـ علي بن أبي طالب عليه السلام (1)

sonnah

جميع الحقوق محفوظة © موقع سنة وشيعة