sonnah

الرئيسية
  • الرئيسية
  • مقالات
  • شخصيات
  • كتب
  • فوائد علمية
  • حقائق انفوجرافيك
الجديد
  • الشيعة والتصحيح .. الصراع بين الشيعة والتشيع
  • الثورة البائسة "الثورة الإيرانية"
  • يا شيعة العالم استيقظوا
  • التشيع والتحول في العصر الصفوي لـ كولن تيرنر
  • التشيع العلوي والتشيع الصفوي الدكتور علي شريعتي
  • أسس هذه الطقوس (طقوس عاشوراء) بنو بويه،
  • آية اللّه المطهري: يجب أن نقيم المآتم و نبكي الحسين ليس بسبب السيوف التي قتلته بل بسبب الأكاذيب التي ألصقت بالواقعة
  • هل أُريدَ بحديث الغدير النص على عليٍّ بالإمارة والخلافة؟ (2)
  • السيد كمال الحيدري: نحن نعيش إرهاصات تأسيس التيار الاصلاحي في الفكر الشيعي
  • حديث الغدير ودلالته على النص بالإمارة والخلافة لـ علي بن أبي طالب عليه السلام (1)
  • أنت تتصفح |
  • الشيعة والتصحيح
  • مقالات

الشيخ حسين الخشن يراجع و يصحح: هل لأهل البيت ميزة اجتماعية دون سائر الناس؟

06 رجب 1440 هـ | الأربعاء ١٣ مارس ٢٠١٩
صورة

الشيخ حسين الخشن يراجع و يصحح: هل لأهل البيت ميزة اجتماعية دون سائر الناس؟

 

" يستمرّ مسلسل التمايز، ليصل إلى الجانب الاجتماعي، مكرِّساً بذلك حالة طبقيّةٍ بين الأشراف وبين سائر الناس, تجعل الأشراف في مستوى أعلى وأرفع من غيرهم، ويتأسّس هذا التمايز الاجتماعي- بالإضافة إلى ما تقدّم من تمايز تكويني وتشريعي مزعوم- على بعض التعاليم، وأهمها:

أولاً: إنّ ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتميّزون على غيرهم من الناس في معيار الاحترام والتقدير، فإذا كان مطلق الإنسان يُقَدَّر ويُحترم لفضيلته الدينية أو الخُلقيّة أو العلميّة أو لغيرها من الاعتبارات العقلائية، فإنّ الهاشمي يُراعى في تفضيله معيار خاص تتعطّل أو تتجمّد أمامه المعايير المتقدّمة، وهو معيار النَّسب، فهو يُقَدَّرُ ويُحترمُ لنسبه, مُحْسِناً كان أو مُسيئاً، وهذا ما نصّت عليه بعض المرويّات, حيث إنّها أكدت على أنّ المحسنَ من ذرية النبي (ص) يُكرمُ لإحسانه، والمسيء يكرم احتراماً وإكراماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ففي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "أحبّوا أولادي.. الصالحون لله تعالى والطالحون لي". 51

وفي حديث آخر عنه (ص): "من أكرم أولادي فقد أكرمني".52

وفي حديث عنه (ص): "إذا قُمت المقام المحمود شفعت في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفعني الله فيهم، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي".53

وقد نظّر لهذا الرأي بعض العلماء منهم العلامة محمد إسماعيل المازندراني الخاجوئي (ت: 1173هـ) 54، ومنهم السيد عبد الرزاق المقرّم رحمه الله، حيث أكّد على "امتياز الذريّة على سائر المسلمين، لحصولهم على هذا العنوان، أعني كونهم ذريّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مطلقاً سواء كانوا سائرين على منهاج مشرِّفهم الأعظم أو متأخّرين عنه".55

ثانياً: والنموذج الأكثر دلالة على تمايزهم الاجتماعي هو الحديث عن نفي الكفؤ لهم في الزواج، وانطلاقاً من ذلك فلا تُزوَّج الهاشمية لغير الهاشمي، حتى لو كان قرشياً، فضلاً عن غيره من الناس، لأنّ من ليس هاشمياً لا يكون كفؤاً للهاشمية, فلا يكون مؤهلاً للاقتران بها، وهذا التمايز- كما غيره- يتمّ التنظير الشرعي له وإسناده ببعض النصوص الروائية، وقد أفتت به بعض المذاهب الإسلامية، بل نُسب ذلك إلى جمهور الفقهاء، يقول الشيخ سيد سابق في فقه السُنّة حول الكفاءة بالنسب: "فالعرب أَكْفاء لبعض، وقريش بعضهم أَكْفاء لبعض.. فالأعجمي لا يكون كفؤاً للعربية، والعربي لا يكون كفؤاً للقرشية" إلى أن يقول: "ولم يختلف الشافعية ولا الحنفية في اعتبار الكفاءة بالنسب على مبدأ النحو المذكور، ولكنّهم اختلفوا في التفاضل بين القرشيين، فالأحناف يرون أنّ القرشي كفء للهاشمية، أمّا الشافعية فإنّ الصحيح من مذهبهم أنّ القرشي ليس كفؤاً للهاشمية والمطلبيّة..". 56

وقد نقل الشيخ عباس القمي رحمه الله عن كتاب "تاريخ قم": "أنّ الرضائية (ذرية الإمام الرضا 57 (عليه السلام)) لم يُزوِّجوا بناتهم، لعدم الكفؤ لهم، وكان للإمام موسى الكاظم(عليه السلام) إحدى وعشرون بنتاً لم تتزوّج إحداهن، وكان هذا سائراً في بناتهم، وقد أوقف محمد بن علي الرضا (عليه السلام) قرى في المدينة على أخواته وبناته اللاتي لم يتزوّجن، وكان يرسل نصيب الرضائية من منافع هذه القرى من المدينة إلى قم". 58

وفي تقييم هذه التعاليم، فإنّنا نسجّل الملاحظات التالية:

في السند والدلالة

الملاحظة الأولى: إنّ الروايات المشار إليها هي ضعيفة السند، ولا يمكن التعويل عليها في تقديم تصور إسلامي يعطي استثناءً خاصاً لذرية النبي (ص) ويميزهم على من سواهم من الناس، ولو أنّ الروايات المذكورة كانت صحيحة للزم التوقف في شأنها للسبب عينه، أعني منافاة هذا الاستثناء الوارد فيها للمبادئ الإسلامية العامة المستفادة من الكتاب الكريم وصحيح السنة والتي ترفض كل أشكال التمييز العنصري أو تكريس أي واقع طبقي.

أجل، ثمة تفسير يخرج بعض هذه الروايات عن دائرة الأشكال والمصادفة مع المبادئ الإسلامية المشار إليها، والتفسير هو أنّ المراد بالذرية هم الأئمة المعصومون الذين أوجب لهم محبتهم ومودتهم وجعلها أجر للرسالة، فإنّ محبة هؤلاء وإكرامهم واحترامهم هو حب رسالي يُمّهد لاتباعهم والسير على هديهم ولا يكرس واقعاً طبقياً مبغوضاً، وأمّا إذا أريد الأخذ بإطلاق الروايات في الدعوة إلى تفضيل ذريته (ص) على من سواهم لمحض أنّهم ذرّيته (ص)، وبصرف النظر عن أعمالهم وسلوكهم وعلمهم، فهذه الدعوة لا تخلو من تأمل، ويُشك في صدورها عن النبي (ص) أو عن الأئمة (ع)، لأنّها تختزن شيئاً من العنصرية، كما أنّها قد تساهم في تكريس واقع طبقي، وخلاصة القول: إنّ مثل هذا الاستثناء لا يستند إلى دليل يُعتّد به، والروايات المتقدّمة- فضلاً عن ضعف سندها- فإنّها تتنافى والمعايير التي أرسى القرآن الكريم دعائمها، حيث وضع أسساً جديدة في التفاضل بين الناس، والنسب ليس منها، وإنّما هناك معيار العلم والتقى والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك مما تقدمت الإشارة إليه، وهكذا فإنّ سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته قد أكّدت على رفض اعتماد النَّسب معياراً للتفاضل، ولهذا رأينا في سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه في الوقت الذي يعادي عمّه أبا لهب بسبب كفره وجحوده، فإنّه يُقرِّب إليه سلمان الفارسي ويدنيه منه ويعتبره من أهل بيته "سلمان منّا أهل البيت" 59، في إعلان واضح وصريح في أنّ نسب الإسلام يتقدّم على نسب الدم وكلّ الأنساب الأخرى، وهذا المفهوم قد أكّد عليه أئمّة أهل البيت (عليه السلام)، في الأحاديث المتضافرة المرويّة عنهم (عليهم السلام), من ذلك ما يُروى عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ولايتي لأمير المؤمنين (عليه السلام) أحبّ إلي من ولادتي منه".60

وفي بعض الأحاديث المرويّة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم". 61

أفهل نستطيع القول: إنّ الإسلام يأمرنا بضرورة احترام الشخص المنتسب إلى ذريته (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقديره وإكرامه حتى لو انحرف عن الحق ولم يلتزم نهج جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأفسد في الأرض وعاث فيها قتلاً وترويعاً وجاهر بارتكاب المعاصي؟!

ثم ألا يلزمنا أن ننهى مثل هذا الشخص عن المنكر بمختلف المراتب المذكورة للنهي عن المنكر, من العبوس في وجهه أو القسوة عليه في الكلام إلى محاسبته وتعزيره, أو إقامة الحد عليه إذا ما فعل ما يستوجب ذلك، وهل يتوهم أحد بأنّ ذلك خلاف التكريم والتقدير؟!

أجل لو أنّ التكريم انطلق بمبادرة عفويّة من المسلم أو غيره حباً منه لرسول الله (ص) أو للسيدة الزهراء (ع) أو لأمير المؤمنين (ع) وجرياً على قاعدة "لأجل عين ألف عين تكرم" دون أن يتمّ تجاوز الحدود الشرعية، أو يُتعاطى مع النسب باعتباره فضيلة في حد ذاته وبصرف النظر عن الاعتقاد والسلوك، فقد يكون ذلك مفهوماً ومبرّراً، كما نبّهنا على ذلك في مستهل الكلام.

عزل عنصري بدافع الحب

الملاحظة الثانية: إنّ الروايات المشار إليها ساهمت في خلق مناخٍ غير صحي، لا لجهة تكريس نوع من الطبقية المرفوضة فحسب، بل لجهة مساهمتها في محاصرة ذرية النبي (ص) فيما يشبه العزل الاجتماعي، لأنّ المبالغة في تفضيلهم والتحذير من مغبة إيذائهم أو التقصير بحقهم ربما خلقت توجساً لدى البعض وخوفاً من أنّه وفي حال مخالطته لهم فلن يتسنى له القيام بواجب احترامهم أو إيفائهم حقوقهم، ولذا فإنّ الأجدى هو الابتعاد عنهم، خوفا ًمن الإساءة إليهم، وقد تبنى العلامة المازندراني الدعوة الصريحة إلى اجتنابهم وترك مخالطتهم خشية التقصير في أداء حقوقهم، يقول رحمه الله: "والأمر في معاشرتهم ومخالطتهم مشكل وخاصة إذا كانت "السيدة" زوجة غير "السيد"، فإنّ معاشرتها مدة العمر على وجه لا يلزم إيذاؤها كأنّها - أي المعاشرة- من الممتنعات عادة، وإنّي والله لو استقليت من أمري ما استبرت لما تزوجت سيدة قط ولكن وقع ما وقع والله غفور رحيم".62

ويقول رحمه الله: "فالبعد عنهم، كما هو المأمور به، وترك اختلاطهم، كما هو منهي عنه، مع محبتهم قلباً أدنى إلى الصواب عن اختلاطهم مع مقت الجميع، فإنّ مقتهم، صالحين كانوا أم طالحين، ينافي ما أمرنا من محبتهم قلباً ولساناً، الصالحين منهم والطالحين لرسول الله (ص)، فالأولى البعد والمحبّة، ومن هنا تراهم يقولون بالفارسية "دوري ودوستي"" 63، أي البعد محبّة.

ويستند العلامة المازندراني في رأيه هذا إلى حديثٍ مروي عن الإمام الصادق (ع)، وهذا نصه: "لا تخالطن أحداً من العلويين، فإنّك إن خالطتهم مَقَتَّ الجميع، ولكن أحبَّهم بقلبك، ولتكن محبتك من بعيد".64

ولكن هذا الحديث لا يمكن التعويل عليه لا لضعفه سنداً فحسب، بل لأنّ المضمون الذي اشتمل عليه سيؤدي إلى فرض نوعٍ من الحصار والعزل الآجتماعي بحق ذرية النبي (ص) وهذا ما سوف يؤذيهم ويؤلمهم ما يؤدي إلى عكس المطلوب، ونقع بالتالي مما أريد الفرار منه.

وفي ضوء ذلك، لا بد أن نفهم الدعوة إلى إكرام أولاده (صلى الله عليه وآله وسلم) مما ورد في بعض الروايات المروية عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أكرم أولادي فقد أكرمني".65

مقياس الكفاءة في الزواج

الملاحظة الثالثة: فيما يرتبط بموضوع الكفاءة في الزواج، فإنّ المعيار فيها هو الخُلق والدين، لا النسب ولا الغنى ولا العشيرة ولا غير ذلك من اعتبارات، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا جاءكم مَن ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه" ﴿إلاّ تفعلوه تكن فتنة وفساد كبير﴾ [الأنفال: 73] 66. إنّ التفاضل بالأنساب أو الأموال أو الأولاد هو سُنّة جاهلية, وقد عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاهداً على تحطيم قيم الجاهلية وتقاليدها، فتراه زوّج زينب بنت جحش من مولاه زيد بن حارثة. 67

وهكذا فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ألغى كلّ الامتيازات المصطنعة واعتبر أنّ كفاءة الإسلام هي الأساس في الزواج، وذلك عندما زوّج جويبر ذاك الفقير الذي لا حَسَب له ولا نَسَب غير الإسلام، من الذلفاء وهي امرأة معروفة بحسبها ونسبها وجمالها، فعن أبي جعفر الباقر(ع): "إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة يقال له: جويبر، أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قباح السودان - إلى أن قال -: وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى جويبر ذات يوم برحمةٍ له ورقّة عليه فقال له: يا جويبر، لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك، فقال له جويبر: يا رسول الله، بأبي أنت وأُمّي، من يرغبُ فيّ؟ فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب فيّ؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا جويبر، إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان وضيعاً، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشايرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم، وإنّ آدم خلقه الله من طين، وإنّ أحبَّ الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحدٍ من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع، ثمّ قال: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنّه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: إنّي رسولُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليك، وهو يقول لك: زوّج جويبراً بنتك الذلفاء.. إلى آخر الحديث، والذي جاء فيه أنّه زوّجه إيّاها بعدما راجع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا زياد، جويبر مؤمن والمؤمن كفو المؤمنة، والمسلم كفو المسلمة، فزوّجْه يا زياد، ولا ترغب عنه". 68

وفي سيرته العمليّة مثالٌ آخر على تجسيده (صلى الله عليه وآله وسلم) العملي للمبادئ التي نادى بها, وذلك عندما زوّج (صلى الله عليه وآله وسلم) ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب من المقداد بن الأسود فتكلمت في ذلك بنو هاشم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّي إنما أردت أن تتضع المناكح". 69

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوّج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، ثم قال: إنما زوجها لتتضع المناكح، ولتتأسوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولتعلموا أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما". 70

وهكذا فقد زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بناته زينب وأم كلثوم ورقية (رضوان الله عليهن) من رجال ليسوا هاشميّين، بل هم من عشائر أخرى.

ومحاولة البعض نفي بنوتهن عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوى أنّهن ربائبه، باعتبار أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان ليزوّج بناته من فلان أو فلان، هي محاولة مرفوضة وقول ضعيف لا بسبب افتقاده إلى الدليل المعتبر وقيام الدليل الموثوق على خلافه فحسب 71، بل لأنّ القول المذكور يتضمن من حيث لا يشعر القائل به إساءةً بيّنةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يصوّره إنساناً يتعامل مع بنات الآخرين بما لا يَتَعامل به مع بناته, ولا يُحبُّ للأخريات ممّن هنّ في عهدته وتحت رعايته ما يحبّه أو يريده لبناته، فهو يرضى لربائبه أزواجاً لا يرضى بهم لبناته!

حكاية مستغربة

الملاحظة الرابعة: إنّ ما نقل عن تاريخ قُم من أنّ الرضويّة لم يزوّجوا بناتهم، لعدم الكفؤ لهن، وأنّ بنات الإمام الكاظم (عليه السلام) لم تتزوّج أية واحدة منهنّ للسبب نفسه، هو أمر مستغرب حقّاً ولم تذكره سائر المصادر بالرغم من غرابته! ولا يسعنا التصديق بذلك، بسبب منافاته لما تقدّم من أنّ الإسلام حطّم الطبقيّة على هذا الصعيد، ومنافاته- أيضاً- لما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) من الحثّ على الزواج وعدم تأخير زواج البنات, لأنّهن بمنزلة الثمار يفسدهن التأخير في قطفهن 72، وأمّا الحديث عن عدم الكفؤ لهن فهو مرفوض, لأنّ الكفاءة المعتبرة في الزواج هي كفاءة الدين والخُلُق؛ وأصحاب الخُلُق والدين متوفّرون دوماً ولو كانوا أقلّية، كيف وقد زوّج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بناته في الجاهلية من رجال لم يكونوا من المسلمين، ثم زوّجهن بعد الإسلام من بعض المسلمين، وأغرب ما في الأمر أنّ يُدَّعى أنّ ذلك - أي عدم تزوُّج الهاشمية من غيرها- كان سُنَّة جارية في بنات الأئمة (عليهم السلام)! هذا ناهيك عن أنّ كتاب" تاريخ قم" لم يثبت اعتباره.

73 ".

الهوامش

51-مستدرك الوسائل: ج 12 ص 376.

52-المصدر نفسه.

53-الأمالي للشيخ الصدوق ص 370.

54-ألفّ رسالة في هذا المجال بعنوان "الفوائد في فضل تعظيم الفواطم" أنظر: كتابه: "الرسائل الاعتقادية" ج1 ص 307.

55-السيدة سكينة للسيد عبد الرزاق المقرم ص11

56-فقه السُنّة ص510- 509.

57-المذكور في التوريخ أنّ الإمام الرضا (ع) لم يخلِّف إلاّ ولداً واحداً وهو الإمام الجوادة(ع)، وقيل: له بنت اسمها فاطمة، ومّا السادة الرضوية فهم من ذرية الجواد (ع)، ونُسبوا إلى الرضا (ع) لاشتهاره بولاية العهد، حتى أنّ الأئمة (ع): الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام يطلق على كل واحد منهم في بعض الأحيان ابن الرضا (ع)، أنظر: تواريخ النبي والآل للشيخ التستري ص 128.

58-منتهى الآمال ج2 ص380.

59-عيون أخبار الرضا (ع) ج1 ص70، والمعجم الكبير للطبراني ح6 ص213.

60-الإعتقادات للشيخ الصدوق ص 112.

61-الكشاف للزمخشري ج1 ص 314. وفي رواية طويلة عن الإمام العسكري (عليه السلام) ما يدلّ بوضوح على أن ّالنسب ليس مرجِّحاً في حدِّ ذاته بحيث يتقدّم على ميزان العلم، تقول الرواية: "إنّه اتّصل (اي بلغ الإمام) بأبي الحسن محمد بن علي العسكري (عليه السلام) أنّ رجلاً من فقهاء شيعته كلّم بعض النّصاب فأفحمه بحجّته حتى أبّان عن فضيحته، فدخل إلى عليّ بن محمد (عليه السلام) وفي صدر مجلسه دَسْتٌ عظيم منصوب وهو قاعد خارج الدست، وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست، وأقبل عليه، فاشتد ذلك (عظم) على أولئك الأشراف، فأمّا العلوية (الذين ينتهي نسبهم إلى الإمام علي (ع))، فَأَجَلّوه عن العتاب، وأمّا الهاشميون فقال له شيخهم: يا ابن رسول الله هكذا تؤثر عاميا على سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين؟! فقال عليه السلام إياكم وإن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون﴾ (النساء: 6) أترضون بكتاب الله حكماُ.

قالوا: بلى.

قال: أليس الله يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوايفسح الله لكم إلى قوله يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ [المجادلة: 11] فلم يرضَ للعالم المؤمن إلا أن يُرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرضَ للمؤمن إلا أن يُرفع على من ليس بمؤمن، أخبروني عنه، قال: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين آوتوا العلم درجات﴾ أو قال: (يرفع الذين شرف النسب درجات)؟ أوليس قال الله: ﴿هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ [الزمر: 9] فكيف تُنكرون رفعي لهذا لِمَا رفعه الله؟! إن كسر هذا (لفلان) الناصب بحجج الله التي علّمه إياها، لأفضل له من كلّ شرف في النسب" أنظر: الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج2 ص 259.

62-الرسائل العقائدية ج1 ص 317.

63-المصدر نفسه ج1 ص 319.

64-معارج اليقين في اصول الدين للشيخ السبزواري (القرن 7) ص 392.

65-مستدرك الوسائل ج 12 ص 367.

66-الكافي ج5 ص 347.

67-راجع حول ذلك ما كتبناه في كتاب "تنزيهاً لرسول الله (ص) - قراءة نقدية في مقولة زواج النبي (ص) من السيدة عائشة في التاسعة من عمرها" ص 34 وما بعدها.

68-وسائل الشيعة ج20 ص68، الباب 25من أبواب مقدمات النكاح وآدابه الحديث1.

69-المصدر نفسه ج20 ص71، الحديث 5 من أبواب مقمات النكاح وآدابه.

70-المصدر نفسه، الحديث 2 من الباب.

71-إن القول المشار إليه والذي ينفي صاحبه أن يكون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنت غير الزهراء(ع) هو غير صحيح ولا يعتمد على حجة مقنعة، أنظر: الملحق رقم 1 لتعرف الأدلة المختلفة التي نستند إليها في ترجيحنا لبنوّة كلّ من رقية وزينب وأم كلثوم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

72-ففي الحديث عن أبي عبد الله (ع): "إنّ الله عز وجل لم يترك شيئاً مما يحتاج إلاّ علمه نبيّه (ص) فكان من تعليمه إياه أنّه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنّ جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال: إنّ الأبكار بمنزلة "الثمر على الشجر إذا أدرك ثمره فلم يجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلاّ البعولة وإلاّ البعولة وإلاّ لم يؤمن عليهن الفساد ولأنّهن بشر، قال: فقام إليه يا رسول فمن تزوّج فقال: الأكفاء، فقال: يا رسول الله ومن الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض، المؤمنون بعضهم أكفاء بعض" (الكافي ج5 ص 336).

73-أنظر: أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، للشيخ مسلم الداوري ج2 ص94.

 

0 0

أضف تعليق

ملاحظة : سوف يتم حجب التعليق الخاص بك حتى موافقة الإدارة

مواضيع ذات صلة

صورة

ذرية النبي (ص) امتيازات طبقية لا شرعية

صورة

إضاءة 38

صورة

أحمد الكاتب:: حديث الغدير لا يحتمل الدلالة على النص والتعيين بالخلافة

صورة

إضاءة 29

صورة

المرجع الحيدري وتصحيح أصول المذهب الشيعي

صورة

إضاءة 47

صورة

حديث الغدير ودلالته على النص بالإمارة والخلافة لـ علي بن أبي طالب عليه السلام (1)

صورة

إضاءة 2

صورة

إضاءة 59

صورة

نائب رئيس البرلماني الإيراني، علي مطهري، ينتقد سياسة نشر "المذهب الشيعي"

sonnah

جميع الحقوق محفوظة © موقع سنة وشيعة