العلاقات الإيرانية السنغالية الجزء الأول
محاور الدراسة
العلاقات السياسية وتطوراتها
نقاط الخلاف التي أدت إلى قطع العلاقات عام 2011
العلاقات الاقتصادية وأدواتها
العلاقات الثقافية ومنافذها
الشيعة والتشيع وأساليبه
مقتضب
كانت ولا تزال القارة الأفريقية ميداناً للتنافس بين قوى إقليمية وعالمية أبرزها إيران التي حاولت بناء سلسلة علاقات مع العديد من الدول لاسيما الاستراتيجية والمهمة منها، والتي تتميز بمقومات خاصة ومزايا متعددة، سواء كانت سياسية أو استراتيجية أو اقتصادية، وقد زاد النشاط الإيراني بشكل واضح في هذ الدول بعد مجيء النظام الراديكالي الحالي، فكانت دولة السنغال إحدى هذه الدول التي سارع النظام الإيراني إلى بناء علاقات معها وتطويرها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، بهدف تهيئة أرضية قابلة للتواجد الإيراني الهادف إلى توسيع النفوذ ونشر المذهب الشيعي والاستفادة ماليا واقتصاديا قدر المستطاع من موارد هذه الدولة.
إن الاهتمام الإيراني بدول القارة الأفريقية بشكل عام يعود إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وذلك حين بدأت إيران في فترة حكم محمد رضا شاه، وعقب استقلال الدول الإفريقية، في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول القارة، وبعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979، تراجعت العلاقات الإيرانية الأفريقية في السنوات التالية للثورة، بسبب الاضطرابات التي صاحبت الثورة من جهة، وانشغال إيران في حربها مع العراق لمدة ثمان سنوات من جهة أخرى، إلا أن السنوات اللاحقة شهدت اهتماما إيرانيا مرة أخرى بالدول الأفريقية، وتزايدت بشكل ملحوظ الزيارات الإيرانية على أعلى المستويات إلى الدول الأفريقية، وقد تنوعت هذه الزيارات بين سياسية واقتصادية وثقافية، وقّعت على إثرها العديد من الاتفاقيات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، وتشكلت لجان تعاونية مشتركة بين إيران ودول أفريقية عديدة، استطاعت طهران من خلالها توسيع علاقاتها مع هذه الدول وإقامة المشاريع وإنشاء المراكز الثقافية التي عملت بنشاط لنشر المذهب الشيعي في القارة السمراء.
وبالنسبة لجذور العلاقات بين إيران والسنغال فإنها تعود إلى مرحلة ما قبل الثورة عام 1979، حين بدأت طهران في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول القارة الأفريقية، فكانت علاقات إيران مع السنغال وباقي دول غرب أفريقيا طبيعية وجيدة، غير أن تلك العلاقة أصابها فتور مع بداية سيطرة النظام الحالي على زمام الأمور في إيران بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا عام 1979، حيث اعتبرت السنغال أن إيران تتدخل في الشؤون الداخلية لها من خلال قيامها بنشر مبادئ الثورة الخمينية.
ومنذ الإطاحة بنظام الشاهنشاهي عام 1979 حتى الآن، مرت العلاقات بين إيران والسنغال بمنعطفات كبيرة وعديدة، تراوحت ما بين قطع العلاقات تارة والانفتاح والاستقرار تارة اخرى، أي أنها لم تكن على وتيرة واحدة، إذ بدأت متواضعة ومحدودة ثم تطورت لتشمل مستويات متعددة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دينية أو ثقافية.
وتوتر العلاقة بين إيران والسنغال في البداية يعود لإحساس الأخيرة بأن إيران تدعم الحركات الإسلامية ضد الحكومات، وأنها تسعى إلى التدخل السلبي والوصول إلى جماعات معارضة لدعمها ضد الحكومات، إلا أن الأمور سرعان ما عادت إلى طبيعتها بعد طمأنة إيران للحكومة السنغالية.
لكن وفي ظل تنامي نفوذ بعض القوى الدولية والإقليمية في السنغال وما تتمتع به هذه الدولة من موارد غنية وبيئة خصبة وقابلة لنشر الأفكار الشيعية، تحولت السنغال بكافة مقوماتها وخصائصها إلى منطقة جاذبة للتطلعات والأنشطة والمطامع الإيرانية.
تعاملت إيران مع السنغال وغيرها من الدول الأفريقية بمنهج مختلف عن سياسات القوى الغربية التي تركز على الجوانب الاقتصادية في معظم تعاملاتها مع هذه الدول، ولا شك أن السنغال قد احتلت مكانة عالية ومتميزة لدى صانع القرار السياسي الإيراني، فإيران لا تنظر إلى مثل هذه الدول على أنها مخزون للموارد والمعادن فقط، بل تحاول استثمار كل ما تراه مناسباً لتحقيق أهدافها العليا، ففضلاً عن حاجة النظام الإيراني إلى دعم الدول الأفريقية لمواقفه السياسية أمام المجتمع الدولي، فإنه يضع الخطط والبرامج للاستفادة بشكل كبير من الديمغرافية والدينية والجغرافية للسنغال وباقي الدول الأفريقية، بهدف تحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية تصب في خدمة المشروع الإيراني التوسعي وتصدير الثورة ونشر المذهب الشيعي والحصول على مكاسب اقتصادية ومالية ضخمة.
وقد واجهت الأنشطة والتحركات الإيرانية في السنغال العديد من العقبات وحالت في أحيان كثيرة دون تحقيق بعض الأهداف، خاصة أن إيران ليست وحدها التي تتحرك في هذه الدولة وترى في التقارب منها فوائد كثيرة، إذ اصطدمت التحركات الإيرانية في السنغال بتحركات فاعلين آخرين مناوئين لها كان أبرزهم إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها.
وقد مرت علاقات السنغال وإيران بمنحنيات صعود وهبوط، بسبب أنشطة إيران التخريبية وتدخلاتها السلبية في السنغال والدول الأفريقية المجاورة، الأمر الذي دفع السلطات السنغالية إلى قطع علاقتها مع إيران أكثر من مرة، وهو ما يؤكد وجود تربص وتوجس وتخوف يتصرف بموجبه الطرف السنغالي في تعامله وعلاقاته مع إيران، بحذر من جهة، ومن جهة أخرى ترجيح المصالح السياسية والاقتصادية على الخلافات الفكرية.
العلاقات السياسية بين البلدين وتطوراتها
تعود بداية العلاقة بين إيران والسنغال إلى عام 1971، إذ زار في هذا العام وزير الخارجية الإيراني السنغال، وحظي بترحيب من قبل المسؤولين في السنغال، وأثناء الزيارة أعرب الجانبان (السنغالي والإيراني) عن اهتمامهما بتوسيع العلاقات الثنائية، كما شارك رئيس الجمهورية السنغالية “ليوبولد سيدار سنغور”[1] آنذاك احتفالات إيران بذكرى 2500 عام لإنشاء مملكة فارس[2].
وفي العام نفسه (1971) تم تأسيس السفارة الإيرانية في العاصمة السنغالية داكار، وذلك بعد تبادل العديد من الزيارات الرسمية لكلا البلدين، وبعد مرور عام على وصول السفير الإيراني إلى السنغال، قررت الحكومة السنغالية أيضاً فتح سفارتها في طهران، واستمرت العلاقات بين البلدين على ما يرام وبشكلها الطبيعي حتى قيام الثورة الإيرانية عام 1979 ومجيء نظام راديكالي.
وبعد انتصار الثورة في إيران، واجهت العلاقات بين إيران والسنغال العديد من التوترات وشهدت منحنيات صعود وهبوط، وذلك بسبب الميول الغربية لحكومة السنغال، واعتمادها بشكل كبير على فرنسا، وأيضاً الدعاية الهائلة للإعلام الغربي ضد الحكومة الإيرانية الجديدة، والكشف عن النوايا الإيرانية الهادفة إلى التدخل السلبي في السنغال ودعم الجماعات الإنفصالية ضد الحكومة.
وبعد اقتحام السفارة الأميركية في طهران من قبل طلبة إيرانيين تابعين للمرشد الإيراني الخميني، أدانت حكومة السنغال هذا العمل، واستدعت السفير الإيراني في داكار وطالبته بإطلاق سراح الرهائن الأميركيين، وبعد ذلك بأشهر أرسلت السلطات السنغالية بياناً إلى السفارة الإيرانية في داكار أعلنت فيها عن قرار السنغال بإغلاق سفارتها في طهران لأسباب مالية، وقد شمل هذا القرار أكثر من عشرين سفارة سنغالية أخرى في دول العالم، وعلى الرغم من هذا القرار وإغلاق السفارة السنغالية في طهران، إلا أن إيران استمرت في الحفاظ على علاقاتها مع هذا البلد.
مع اندلاع الحرب الإيرانية العراقية بداية 1980 تزايدت المواقف السلبية لحكومة السنغال تجاه إيران، وتقول التقارير الإيرانية أن السبب الرئيسي لاتخاذ السنغال مواقف سلبية تجاه إيران بعد اندلاع الحرب مع العراق هو مساعدة الرئيس العراقي صدام حسين السنغال بمبلغ 40 مليون دولار، وفي عام 1981 كانت هناك تقارير تتحدث عن موقف محايد نسبياً من قبل السنغال تجاه الحرب الإيرانية العراقية، وفي عام 1982 قام مدير الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الإيرانية بزيارة إلى السنغال، وأجرى مفاوضات واسعة مع مسؤولين سنغال انتهت بإبداء الرغبة من الجانبين في تطوير وتوسيع العلاقات.
ولكن في عام 1983 أصيبت العلاقات بين البلدين بنكسة دبلوماسية بسبب قيام السلطات السنغالية بطرد دبلوماسيين إيرانيين وإغلاق السفارة الإيرانية في داكار، وذلك بسبب دخول دبلوماسيين إيرانيين إلى السنغال بطريقة غير مشروعة، وعليه تم قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية بشكل كامل في عام 1983 بين الطرفين بمبادرة سنغالية.
في عام 1988 استأنفت الدولتان علاقاتهما السياسية، وعقدت أولى جلسات اللجنة المشتركة للتعاون بين البلدين عام 1996 في مدينة داكار، وقرر أن تعقد الجلسة الثانية لهذه اللجنة المشتركة في إيران في عام 1997.
تعززت العلاقات الثنائية بعد قيام الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي بزيارة السنغال على رأس وفد كبير عام 2004، وفي عام 2006 قام “عبد الله واد” رئيس السنغال بزيارة إلى إيران للمرة الثانية، قابله الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بزيارة إلى السنغال في نفس العام ولأول مرة، وجرت محادثات واسعة بهدف توسيع العلاقات الثنائية.
في الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس السنغالي “عبدالله واد” إلى إيران في عام 2003، اصطحب معه تسعة وزارء، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات خلال هذه الزيارة، واستمر تبادل الزيارات على المستويات السياسية والبرلمانية والاقتصادية وغيرها، ومنها زيارة رئيس مجلس الشيوخ السنغالي إلى إيران ولقائه حداد عادل رئيس مجلس الشورى الإيراني وقتها بهدف توسيع التعاون البرلماني بين البلدين، وفي فبراير 2007، اعتبر رئيس مجمع تشخيص مصلحه النظام في إيران ” علي أكبر هاشمي رفسنجاني ” إيران البلد الصديق الحقيقي لدول أفريقيا والسنغال وذلك لدى استقباله السفير السنغالي في طهران “ايساكه امباكه”.
ما سبق يشير إلى أن العلاقات الثنائية بين الجانبين كانت تسير بخطى بطيئة جداً في السنوات التي أعقبت الثورة والحرب مع إيران، إذ بقيت العلاقات الاقتصادية والسياسية تحكمها اعتبارات وهواجس تصب في مجملها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرفين، واستمر الحال حتى نهايات التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، إذ شهدت العلاقات الثنائية بين الجانبين نشاطاً ملموساً، وجرت عدة لقاءات بين المسؤولين، منها اللقاء الذي جمع رئيس السلطة القضائية الإيرانية آنذاك “هاشمي شاهرودي” برئيس وزراء السنغال وقتذاك شيخ حاجي بوسو، وقد قدم شاهرودي شرحاً عن هيكلية القضاء في إيران وقد رحب رئيس وزراء السنغال باقتراحات إيران حول القضاء وتطويره في العالم الإسلامي قائلاً: “إن السنغال مستعدة للتعاون مع إيران في هذا المجال”، وقد فتح هذا الاتفاق الآفاق أمام بداية جديدة للعلاقة بين الجانبين، وقام بعد ذلك رئيس الوزراء السنغالي، بزيارة لإيران التقى فيها بالرئيس محمود أحمدي نجاد وقد تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم، وقد رحب خلال لقائه بمشروع إيران لإقامة تعاون مع أفريقيا، ثم أجرى الرئيس السنغالي عبداﷲ واد زيارة إلى إيران التقى خلالها بالرئيس الإيراني وقتها محمود أحمدي نجاد.
في هذه الأثناء كانت إيران تعمل على توسيع تغلغلها في السنغال وأفريقيا الغربية بشكل عام، لبناء أكبر قدر من المنافذ والعلاقات بغية مواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليها، مستغلة بذلك أيضاً تراجع التواجد الخليجي، وخاصة السعودي، وذلك في الفترة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001، وهي فترة استفادت منها إيران كثيراً في توسيع نفوذها ونشرها للتشيع، ويعود انحصار التواجد السعودي آنذاك إلى ما أنتجته أحداث سبتمبر من مراقبة للأنشطة الإسلامية وتشديد القيود عليها في كافة أنحاء العالم وخاصة أفريقيا، لكن يمكن القول إنه في الفترة الأخيرة بدأت الرياض تتدارك هذا التراجع، فسارعت إلى تأسيس علاقات قوية مع الدول الأفريقية، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير، فيما شهدت هذه الفترة فشلاً إيرانياً نسبياً في جني فوائد استثماراتها في السنغال سواء من خلال تمويلها لجماعات ومؤسسات وإنشاء المراكز في دكار أو من خلال الطلبة السنغاليين الذين ابتعثتهم إيران على نفقتها للدراسة في قم.
في عام 2011 اتخذت الحكومة السنغالية قرار قطع علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع إيران بسبب اتهامها لها بإرسال أسلحة إلى المتمردين جنوب السنغال ودعمهم ضد الحكومة، وجاء في البيان الذي أصدرته الحكومة السنغالية أن ثلاثة جنود سنغاليين قد قتلوا في هجوم نفذه المتمردون الانفصاليون عام 2010 في منطقة كازامانس الحدودية مع غامبيا باستخدام أسلحة تم شحنها من إيران، وفي عام 2012 وعلى هامش قمة منظمة التعاون الإسلامي في مصر، اجتمع الرئيس الإيراني ونظيره السنغالي معاً واتخذا قرار استئناف العلاقات بين البلدين.
وحول هذه الحادثة الأخطر في تاريخ العلاقات بين البلدين، أصدرت السنغال بياناً قالت فيه إن شحنة الأسلحة الإيرانية تسببت في مقتل 16 جندياً سنغالياً، وأضاف البيان أن السنغال قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، على خلفية قضية شحنة الأسلحة الإيرانية التي عثر عليها في نيجيريا، وتقول الحكومة السنغالية إن شحنة الأسلحة الإيرانية قد استخدمها المتمردون الانفصاليون في كازامانس في جنوب السنغال حيث أدت إلى مقتل 16 جندياً سنغالياً بأسلحة ورصاص إيراني أثناء مواجهات مع المتمردين الانفصاليين الذين يستخدمون أسلحة إيرانية.
لقد رأت إيران أن السنغال تحتل مكانة مميزة كونها أرض خصبة للدعوة، ويمكن أن تكون دولة مصدرة للعقائد إلى الدول المجاورة، لذا من الممكن تحويلها إلى نقطة انطلاق جيدة للدعوة في أفريقيا، لا سيما أن السنغال تشهد تواجداً شيعياً، حطت أسسه الجالية اللبنانية في فترة مبكرة على يد اللبناني “عبد المنعم الزين” بإشراف وتوجيهات من شيخه موسى الصدر، وتختلف التقارير في أعداد هذه الجالية اللبنانية، والبعض يقول أنها نحو ألف شخص، لكن الأهم من ذلك، أن إيران استطاعت توظيف هذه الجالية في المؤسسات العاملة في مجال نشر مبادئ الثورة الإيرانية الدينية والثقافية والتجارية والخيرية.
ثم اتسع النشاط التعليمي والاجتماعي لتلك الجالية المدعومة من إيران في السنغال، وقامت ببناء عدة مراكز في السنغال أهمها: مركز الإمام الرضا بمدينة كولاخ، والمؤسسة الإسلامية الاجتماعية في داكار، ومدرسة الرسول الأعظم بكازماس، وقد استخدمت إيران في اختراقها ونفوذها للسنغال إضافة للجالية اللبنانية مختلف الوسائل والأدوات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل وحتى العسكرية، فالجمعيات الخيرية والمؤسسات والمنظمات الدينية كانت فاعلة وبشكل ملحوظ من خلال نشر مبادئ وتعاليم المذهب الشيعي، واستطاعت من خلال ذلك تحقيق الكثير مما كانت تطمح إليه.
وتتحدث التقارير عن قيام إيران بإنشاء حزب سياسي في السنغال يسمى “حزب الله السنغالي” على يد أحمد خليفة إنياس، وهو حزب يستمد أيديولوجيته وأفكاره وبرامجه من الثورة الإيرانية، لكن ما لبثت أن تبخرت أيديولوجية هذا الحزب، وخفتت نزعته الإسلامية، وأصبح مؤسس هذا الحزب يساير الحكومات المتعاقبة في ظل رئاسة عبدو ضيوف ثم الرئيس عبدالله واد.
ولكن مع هذا الكم من التواجد الشيعي في السنغال وقرب بعض رموز الشيعة من صناع القرار، يصبح وصول أشخاص ذوو ميول إيرانية أو شيعية إلى مناصب ذو تأثير أمراً مطروحاً ومحتملاً في سيناريوهات مستقبل الجالية الشيعية بالسنغال، ولا سيما أنه قد سجل تولي شخصية سنغالية شيعية الانتماء، وذات أصل لبناني، منصب وزير الصيد والاقتصاد البحري في حكومة الرئيس “مكي سال” وهو عالم المحيطات والناشط البيئي “علي حيدر”.
وفي الوقت الحالي تشهد العلاقات نوعاً من الاستقرار مع تبادل السفراء من كلا الجانبين، وقد بدأ هذا الاستقرار مع مجيء حكومة حسن روحاني المعتدلة، وتبادل الطرفان زيارات على مستويات وزارية عديدة، تم خلالها إجراء محادثات ثنائية تهدف للنهوض بالعلاقات وتوسيعها في كافة المجالات، والتي كان آخرها الشهر الماضي (أبريل 2018) حين زار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف السنغال وأعلن أن طهران تجمعها علاقات اقتصادية جيدة مع داكار، موضحاً أن زيارته للسنغال تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، إضافة إلى أنها ستتناول التطورات السياسية الإقليمية والدولية بين البلدين، وفي أغسطس 2017 استقبل جواد ظريف وزير الثقافة السنغالي “ام باغنيك اينجاي” وتحدث حول أهمية أفريقيا بالنسبة لإيران، مشيراً إلى استعداد إيران للتعاون مع الدول الأفريقية بشكل ثنائي وفي إطار المنظمات الدولية ومنظمة التعاون الإسلامي، وأعرب عن استعداد إيران التام للتعاون مع السنغال في مجال إنشاء السدود وإنتاج الأدوية.
وفي أبريل 2016، التقى الرئيس الإيراني حسن روحاني بالرئيس السنغالي “ماكي سال” على هامش قمة منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في إسطنبول، وأكد روحاني خلال هذا اللقاء على أن تأجيج الخلافات واستغلال الجماعات الإرهابية هي مؤامرة كبيرة ينفذها الأعداء ضد المسلمين، مضيفاً بأن تنمية العلاقات الشاملة مع الدول الأفريقية أمر يحظى بالأهمية بالنسبة لإيران، مبدياً استعداد بلاده في هذا السياق لتطوير العلاقات مع السنغال على جميع الأصعدة الاقتصادية والعلمية والثقافية والطبية والصحية، في المقابل أعرب رئيس جمهورية السنغال “ماكي سال” في هذا اللقاء عن رغبة بلاده في تنمية العلاقات المتينة مع إيران، داعياً إلى إرسال لجان اقتصادية إيرانية إلى السنغال بهدف تطوير التعاون والعلاقات بين البلدين.
ومع ذلك، لا تزال الحكومة السنغالية ينتابها شيء من القلق إزاء أي تقارب مع إيران، ولديها شعور بأن إيران مستمرة في تدخلاتها ليس فقط في السنغال بل في غالبية الدول الأفريقية، والآن وبعد تبني الولايات المتحدة سياساتها الحاسمة تجاه طهران والإفصاح عن ذلك، تصبح السنغال أكثر تخوفاً وحذراً من توسيع علاقاتها مع طهران، وبدراسة متعمقة لطبيعة هذه العلاقات الثنائية، فإنه يمكن القول أن هذه العلاقات ستتأثر كثيراً إذا ما تمت ممارسة الضغوط من قبل الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية أو حتى بعض الدول العربية على السنغال لقطع علاقتها مع إيران، خاصة أن إرث انعدام الثقة السنغالية بإيران لا يزال حياً في أروقة صناع القرار السنغالي.
قطع العلاقات وأسبابها
تم قطع العلاقات بين السنغال وإيران مرتين في تاريخ هذه العلاقات، وكانت كلتا المرتين بمبادرة سنغالية، والأسباب مشتركة ومتشابهة في كلتا الحالتين، وهي التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للسنغال ودول غرب أفريقيا المجاورة لها، سواء من خلال إرسال أسلحة أو دعم جماعات انفصالية ضد الحكومات:
المرة الأولى كانت عام 1983، إذ قامت السلطات السنغالية بطرد دبلوماسيين إيرانيين وإغلاق السفارة الإيرانية في داكار، وذلك بسبب دخول دبلوماسيين إيرانيين إلى السنغال بطريقة غير قانونية، أثارت حفيظة السلطات السنغالية، وعليه تم قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية بشكل كامل في عام 1983 بين الطرفين بمبادرة سنغالية، ورأت السنغال أن هناك نشاط وتحرك إيراني يقوم به دبلوماسيون إيرانيون غير مقبول في السنغال، وأبدت السلطات تخوفاً وقلقاً من هذه التحركات التي تدعم جماعات إسلامية وانفصالية ضد السلطات السنغالية والحكومات الأفريقية الأخرى.
المرة الثانية عام 2011، حين اتخذت السلطات السنغالية قراراً يقضي بقطع علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع إيران بسبب قيام الأخيرة بدعم الانفصاليين ضدها، وإرسال أسلحة إلى هؤلاء المتمردين جنوب السنغال ودعمهم ضد الحكومة، وإثر ذلك قامت السلطات السنغالية بإصدار بيان رسمي جاء فيه أن الحكومة السنغالية قررت قطع علاقاتها مع إيران، وذكر البيان أيضاً أن ثلاثة جنود سنغاليين قد قتلوا في هجوم نفذه المتمردون الانفصاليون عام 2010 في منطقة كازامانس الحدودية مع غامبيا باستخدام أسلحة تم شحنها من إيران.
وسّعت السلطات السنغالية من اتهاماتها لإيران، ومن أسباب قطع علاقاتها، وواصل بيانها بالقول: إن شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الانفصاليين قد تسببت في مقتل 16 جندياً سنغالياً، وأضاف البيان أن السنغال قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، على خلفية قضية شحنة الأسلحة الإيرانية التي عثر عليها في نيجيريا أيضاً[3]، وتقول الحكومة السنغالية إن شحنة الأسلحة الإيرانية قد استخدمها المتمردون الانفصاليون في كازامانس في جنوب السنغال حيث أدت إلى مقتل 16 جندياً سنغالياً برصاص إيراني، وقال البيان صراحة: “لقد هالنا أن يُقتل جنودنا برصاصٍ إيراني”.
أما الطرف الإيراني فإنه أحال أسباب قطع السنغال قراراتها مع إيران إلى ضغوط من قبل دول أجنبية مارستها على الحكومة السنغالية، وجاء أول رد إيراني على هذا القرار السنغالي، من قبل وزير الخارجية الإيراني الأسبق منوجهر متكي، والذي أكد أن السنغال قطعت علاقاتها مع إيران بفعل ضغوط غربية مورست على مسؤولي هذا البلد من قبل دول نيجيريا وغامبيا والسعودية لتعيد النظر في علاقتها مع إيران، ولفت منوجهر متكي إلى أنه تزامنا مع زيارته التي قام بها للسنغال خلال توليه مسؤولية وزير الخارجية، قام وفد أوروبي من ثلاثة أشخاص (لم يذكر اسمهم أو هويتهم) بزيارة إلى السنغال لدفع حكومتها لاتخاذ موقف ضد إيران، وبذلك تعرضت الحكومة السنغالية لضغوط من جهات عديدة ما أدى إلى أن تتخذ قراراً غير ناضج.
وأصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً حول قرار السنغال قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، أعربت فيه عن استغرابها لقرار السنغال قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وأوضحت أن قرار السنغال جاء بعد الزيارات الأخيرة والمحادثات التي جرت في داكار حيث أكد المسؤولون السياسيون والعسكريون في البلدين على إنهاء جميع الإشكالات الموجودة وضرورة توسيع العلاقات الثنائية، وفي هذا السياق تم التوصل إلى اتفاقيات جديدة بين البلدين بهدف تنمية العلاقات الثنائية، واستناداً إلى ذلك فإن هذه القرارات السنغالية تفتقد إلى أي دليل ومبرر منطقي من وجهة نظر إيران، ويبدو أنها جاءت بتأثير من عوامل أخرى.
مركز المزماة للدراسات والبحوث
٥ يونيو ٢٠١٨
[1]كان أول رئيس للسنغال (1960-1980) وهو أديب عالمي وشاعر مشهور يعتبره الكثيرون أحد أهم المفكرين الأفارقة من القرن العشرين، تنازل بإرادته عن الرئاسة مرشحا “عبدو ضيوف” خلفا له.
[2]احتفال رسمي أقامه الشاه محمد رضا بهلوي لإحياء ذكرى 2500 عام على إنشاء مملكة فارس القديمة، ودعا فيه رؤساء وملوك العالم والأمراء لزيارة مدينة برسبولس الإيرانية من تاريخ 12 أكتوبر إلى 16 أكتوبر عام 1971م.
[3] قبل تدهور العلاقات السنغالية الإيرانية، وفي العام 2010، أعلنت نيجيريا أنّها عثرت على شحنة هيروين تبلغ قيمتها أكثر من تسعة ملايين دولار مصدرها إيران، تم إخفاؤها في قطع غيار سيارات، كما عثرت بجانب تلك على شحنة أخرى من الأسلحة تضمّ صواريخ ومتفجرات مخبأة في حاويات مواد بناء، وأبلغت مجلس الأمن الدولي عن ذلك.