تطور الفكر الشيعي من الإمامة الروحية إلى الإمامة الإلهية..
الإمامة الروحية
يبيّن الباحث العراقي المتخصص في الدراسات الدينية سليم جواد الفهد لرصيف22 أن فكرة الإمامة كانت مستلهمة من صلاح أهل البيت، بلا غلو ولا مبالغة.
لكن الأمور لم تستمر على هذا الحال، فخلال مسيرة الشيعة المأساوية المليئة بالدماء، وبتأثير من الفلسفات الفارسية، حدث تحوّل كبير في فكرة الإمامة بين القرنين الثالث والخامس الهجريين، إلى ما عُرف بالإمامة الإلهية، ومفادها أن الأئمة الـ12 مختارون من الله.
فمنذ الصراع على السلطة بين فريق علي بن أبي طالب الذي أصبح رمزاً للمهمشين، وبين معاوية بن أبي سفيان رمز القبيلة والأثرياء، التفّت جماهير عريضة من المؤمنين والمضطهدين والموالي حول آل البيت، ونظروا إليهم كقادة ملهمين، وقاد عدد من آل البيت ثورات عديدة ضد تعسف الأمويين والعباسيين.
نظرية الإمامة الإلهية
وتقوم نظرية الإمامة عند الاثني عشرية على أن الخلافة بعد وفاة النبي محصورة بعلي بن أبي طالب ومن بعده بولديه الحسن فالحسين، ومن بعدهم بنسل الحسين بشكل عمودي، أي من الأب إلى الابن. وتنتهي الإمامة عند الإمام الـ12 الذي غاب غيبة صغرى عام 873، وكان يتواصل مع الشيعة عن طريق وسطاء عُرفوا بالسفراء الأربعة حتى عام 941، ثم غاب غيبة كبرى منذ هذا التاريخ، مع موت السفير الرابع، وهي غيبة مستمرة إلى الآن ولن تنتهي قبل نهاية الزمان، بحسب المعتقد الشيعي.
ولا تختار الأمة الإمام، بحسب الفكر الشيعي، بل يُختار من الله بالنص عليه، أو بالوصية من والده الإمام السابق، أو بأدلة عقلية وإثبات معجزات يتولى المتكلمون تحديدها، وذلك على عكس النظرية السنية التي قامت على الاختيار والبيعة من قبل فئة خاصة من الأمة عُرفت باسم أهل الحل والعقد، وإنْ كان الواقع الإسلامي يكشف عن عدم تطبيق النظرية السنية حتى في زمن الخلفاء الراشدين.
وللإمام ولاية مطلقة على الأمة، وتجب طاعته بشكل مطلق، فهو معصوم عن الخطأ.
لم يعرفها الأئمة ولا شيعتهم المتقدمين
وينفي المفكر العراقي المتخصص في الدراسات الدينية والسياسية أحمد الكاتب أن تكون نظرية الإمامة الإلهية القائمة على العصمة والنص قد عُرفت في أوساط الشيعة أو أهل البيت أنفسهم في القرن الأول الهجري، ويؤكد أنها ظهرت في الكوفة لا في المدينة، على يد بعض المتكلمين الشيعة، ولم تنتشر في أوساط الشيعة إلا بعد ذلك بعدة قرون.
ويستشهد الكاتب بعدم تطابق تاريخ الأئمة الشيعة مع نظرية الإمامة، ويقول لرصيف22 إن المأثور عن الإمام علي بن أبي طالب أنه كان يؤمن بالشورى، كما أن واقع ولاية الأئمة وحياتهم لم تكن تتفق مع المنزلة شبه المقدسة التي صبغتها النظرية عليهم،
"فمثلاً تقول النظرية إن الأئمة يُنص على توليتهم من الله، وعن طريق اختيار الإمام لخليفته، ولكن كان يحدث أن يموت الإمام الموُصى له في حياة والده، مثلما مات إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، فوقع الشيعة في اضطراب، إذ كيف يموت إمام مُوصى له؟".
وأدى هذا بالمتكلمين الشيعة إلى:
- تطوير مبدأ "البداء"، أي أن كل حادث مثل السابق ناتج عن أن الله بدّل إرادته..
- وإلى وقوع النظرية الشيعية في تناقضات مثل التراجع عن إمام بعد إعلان إمامته بسبب موته بدون ولد، ما يعني انقطاع نسل الأئمة، وهذا، بحسب الكاتب، حدث مع عبد الله الأفطح بن جعفر الصادق، إذ أنكر الإماميون إمامته، وقالوا بإمامة أخيه موسى الكاظم.
ويذكر سليم الفهد أن الإمامية لم تُحدد عدد الأئمة بـ12 في بدايتها، وحين توفي الإمام الـ11 الحسن العسكري دون ولد، وقعت مشكلة وراثة الإمامة، فظهر ادعاء بوجود ولد مخفي له، سيتوارث الحكم هو وذريته، ثم ظهرت لاحقاً فرقة فرعية هي "الاثنا عشرية" داخل الفرق الإمامية، وحددت الأئمة بـ12 جعلت آخرهم الإمام الغائب محمد بن الحسن العسكري.